كيف تصبح رواقيًا
مقال إليف باتومان*
نُشر بالنيويوركر 19 ديسمبر 2016
ترجمة: سارة شاهين
الترجمة خاصة بـ Boring Books
تحتفظ المترجمة بحقها في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها.
* إليف باتومان كاتبة من فريق عمل النيويوركر، وصلت روايتها الأولى «البلهاء» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوليتزر عام 2018. في عام 2019 فازت بجائزة المجلة الوطنية على تقرير بعنوان «نظرية للنسبية». حصلت على الدكتوراه في الأدب المقارن من جامعة ستانفورد.
ولد الفيلسوف الرواقي إبكتيتوس عبدًا، في حوالي العام 55 بعد الميلاد، في المنتجع الإغريقي-الروماني هييرابوليس، ومكانه اليوم مدينة باموكال، في تركيا. تعرفتُ على تعاليمه للمرة الأولى عام 2011، بعد فترة قصيرة من انتقالي من سان فرانسيسكو إلى إسطنبول. عشت بمفردي في حرم جامعي يقع في غابة. وخلال علاقة عاطفية مضطربة، عبر مسافة بعيدة، كانت تمر الأيام بدون أن أحادث أحدًا سوى رأس صديقي عديمة الجسد، عبر سكايب. كانت السياسة التركية قد أصابتني بالتشوش، وهي السياسة التي جعلت كلًا من العلمانيين والإسلاميين يشعرون بأنهم ضحايا. إذا كنتِ امرأة، وأيًا ما كنتِ ترتدين - ديكوليت (بصدر مكشوف)، أو حجابًا- فسيرمقك أحدهم بنظرة قذرة.
يقول السطر الأول في دليل إبكتيتوس للنصح الأخلاقي، المسمى بـ «المختصر»: «تخضع بعض الأشياء لإرادتنا، بعكس أشياء أخرى». أشعرتني الجملة أن ثقلًا قد انزاح عن صدري. يخبرنا إبكتيتوس أن الشيء الوحيد الذي باستطاعتنا التحكم به بالكامل هو الطريقة التي نحكم بها على الشيء بأنه خير، ولذلك هو الشئ الوحيد الذي ينبغي علينا القلق بشأنه.
إذا رغبنا بالمال أو الصحة أو الجنس أو الصيت فيسنتهي بنا الأمر إلى الشعور بالتعاسة. وإذا ما تملكتنا الرغبة في اجتناب الفقر والمرض والوحدة وعدم الشهرة سنعيش في قلق وإحباط متواصلين.
لا يمكننا تجنب الخوف والرغبة بكل تأكيد. تنتاب الجميع تلك اللحظات من الكآبة والترقب. أن تكون رواقيًا يعني أن تتساءل عن تلك اللحظات: هل تتعلق بأمور يمكنك التحكم بها، وإن لم تكن كذلك، فسيكون رد فعلك الفوري: «هذا ليس من شأني».
قراءة إبكتيتوس جعلتني أدرك أن معظم الألم في حياتي لم يكن نتيجة احتياج أو صدمة حقيقية، بل نتيجة الشعور بالعار من أن كل هذا كان من الممكن تجنبه. ألم يكن خطأي أنا أنني عشت في هذه العزلة، وأن المعنى ظل يراوغني، وأن حياتي العاطفية كارثية؟ عندما قرأت أن أحدًا لا ينبغي أن يشعر بالخجل لكونه وحيدًا أو لكونه وسط الناس، أدركت أني كثيرًا ما شعرت بالخجل من الأمرين. ينصح إبكتيتوس من يكون وحيدًا بأن «يرى في وحدته سلامًا وحرية، وأن يعتبر نفسه نظيرًا للآلهة»؛ وعندما تكون وسط جمع من الناس، فكر أنك ضيف في حفلة هائلة، واستمتع بالأمر قدر الإمكان.
زادت نبرة إبكتيتوس من اقتناعي به، وهي تشبه نبرة مدرب رياضي مستعر الغضب. يقول: «إذا أردت أن تكون رواقيًا فعليك أن تخلع مفصل معصمك، وأن تلوي كاحلك، وأن تبتلع كميات من الرمل»، ورغم ذلك ستظل تعاني من الخسارة والإذلال. لكن، بالنسبة لك، كل فشل هو أفضلية، وفرصة للتعلم وللمجد. إذا ما واجهتك صعوبة، عليك أن تشعر بالفخر والحماس، وتعتبرها مثل «مصارع وضعه الرب -الأشبه بالمدرب هنا- في مواجهة مع شاب قوي وفتي». بعبارة أخرى، اعتبر كل ابن حرام عليك التعامل معه على أنه جزء من خطة الرب من أجل أن يجعلك من طبقة المصارعين الأولمبيين. إنها حيلة فعالة للغاية.
معظم نصائح إبكتيتوس تتعلق بعدم تعنيف العبيد. في البداية، ظننتُ أن بإمكاني تجاوز تلك الأجزاء. لكني لاحقًا أدركت أن لدي نفس الأفكار غير المنطقية، والمتهمة للذات في تعاملي مع مالكي المتاجر الصغيرة، والصنايعية. إذا كذب سائق الأجرة بشأن طريق، أو إذا لم يعطني صاحب المحل الباقي كاملًا، كنت أشعر أن هذا خطئي، لأني لغتي التركية مثقلة بلكنة، أو لأنني جزء من الصفوة. وإذا تظاهرت بأني لم ألاحظ تلك الصغائر، ألا يثبت هذا أني بالفعل امرأة ظالمة، أتمتع بالمزايا، ولا أكترث بشأن الآخرين؟ خلصني إبكتيتوس من هذه الأفكار، بهذا التمرين البسيط: «ابدأ بالأشياء تافهة القيمة -بعض الزيت المسكوب، وقليل من النبيذ المسروق- وقل لنفسك مرارًا:`بهذا الثمن البخس أشتري الطمأنينة».
إبكتيتوس، الذي ولد قبل داروين وفرويد بحوالي ألفي عام، يبدو وكأنه توقع بطريقة ما وسيلة للفرار من سجنيهما. ذلك الإحساس بالخسارة والنشوة، المبرمج في الجسد البشري، يمكن للمرء تخطيه بواسطة عقله. الحرب الأبدية بين رغبات العقل الباطن ومتطلبات الحضارة يمكن الانتصار فيها. في ستينيات القرن الماضي، ابتكر المعالج النفسي الأميركي ألبرت إليس نسخة مبكرة من العلاج الإدراكي السلوكي تعتمد بشكلٍ كبير على ادعاء إبكتيتوس بأنه «ليست الأحداث هي التي تزعج الناس، بل حكمهم بشأنها». يقول إبكتيتوس إنك إذا مارست الفلسفة الرواقية لفترة كافية ستكف عن خلط الخير بالشر حتى في أحلامك.
4 Replies to “كيف تصبح رواقيًا”
مقال مريح و جميل .. شكرا للترجمة، قضيت وقت ممتع وأنا أقرأه لنفسي بصوت عال : ))
مقال جميل وحقيقي
مقال يستحق القراءة، شكرا
شكرا حقيقي حبيت المقال