"كل الأدب الحديث جاء من كتاب واحد كتبه مارك توين واسمه هَكلبري فِن... إنه أفضل كتاب حصلنا عليه. كل الكتابة الأمريكية جاءت منه. لم يوجد ما يسبقه. ولا ما يعادل جودته من بعده".
مغامرات هَكلبري فِن لمارك توين
مقال روبرت مكروم
نُشر في الجارديان، فبراير 2014
ترجمة: كريم عبد الخالق
افتتحَ مارك توين تحفته قائلًا إنها "أشبه بتتمة لرواية توم سوير". تستمر الفصول الأولى من الكتاب الجديد مدفوعة عبر سبعينيات القرن التاسع عشر في نفس الأجواء السابقة مع حس الفكاهة الحريف لجملتها الافتتاحية: "أنت لا تعرفني إذا لم تكن قد قرأت كتابًا... كتبه السيد مارك توين، ولقد قال الحقيقة، في الأساس".
لكن بعد عودته عقب توقف مليء بالأزمات ليُكمل المخطوطة عام 1883، تحول ما قد بدأ كاحتفال نوستالجي إلى مرثاة أكثر ظلمة، عن عالم ضائع. كان نظيره، سام كليمنز، مرعوبًا من الاتجاه الذي أخذته الحياة الأمريكية في القرن الخافت[1]. بالنسبة لمارك توين، كان حصنه الحصين ضد حملة التعقيم المستمرة قد أصبحَ قلمه.
بصحبة هَك فِن، أمكنه استرجاع الحياة على أعظم أنهار أمريكا كأثر باقٍ، ومكمن لغروب الشمس المتوعد والليالي المرصعة بالنجوم والفجر الغريب، ومكان اعترافات الرجال على فراش الموت، وإشارات للكنوز المدفونة، وعداوات العائلات القاتلة، وثرثرات المحلات المسموعة، والتفاخر الفارغ لفناني العروض الرحّالة، ودوي الحرب الأهلية في الأفق، وأخيرًا المنفيين الأمريكيين هَك اليتيم وجيم العبد الهارب، يطوفان على طول نهر المسيسيبي العظيم الواسع. رواية "هَك" عبارة عن رحلة ستبدل حال الاثنين، لكن هك، مثل صانعه، يتحرر من الكبح البرجوازي، من هؤلاء الذين يريدون "تبنيه" وتحويله إلى "شخص متحضّر". فيقول: "لا يمكنني التحمل، كنت هناك من قبل".
أشار أمريكي آخر من الغرب الأوسط، وهو الشاعر تي. إس. إليوت، إلى عبقرية توين، فقد كتب أنه كان "واحدًا من هؤلاء الكتّاب، الذين لا تجد كثيرًا منهم في أي أدب أجنبي، والذين اكتشفوا طريقة جديدة للكتابة، وهي ليست فعّالة فقط من أجلهم بل من أجل الآخرين أيضًا".
كما قالها همنجواي بإيجاز. "كل الأدب الحديث جاء من كتاب واحد كتبه مارك توين واسمه هَكلبري فِن... إنه أفضل كتاب حصلنا عليه. كل الكتابة الأمريكية جاءت منه. لم يوجد ما يسبقه. ولا ما يعادل جودته من بعده".
يدوي صوت أمريكا عاليًا بوضوح من الصفحة الأولى إلى الأخيرة. تحتفي رواية "هَكلبري فِن" -المستلهمة من جزئها السابق “مغامرات توم سوير" الذي كان موجهًا للصبية - بعالم الطفولة الضائع، وبراح وغموض الغرب الأوسط. والأهم، أنها تصنع أسطورة من قضية العِرق، وهي القضية التي عذّبت الولايات لعدة عقود. إذن يطوف هَك فِن عبر النهر العظيم الذي ينحدر عبر قلب أمريكا، وفي تلك المغامرة يرافقه الرفيق الرائع جيم، العبد الهارب، والذي يغامر أيضًا من أجل حريته.
ملاحظة على النص
بدأت "مغامرات هَكلبري فِن" كمخطوطة تحمل عنوان "السيرة الذاتية لهَكلبري فِن". في النهاية ترك توين المخطوطة مع دخول هَك فِن في مرحلة البلوغ. كتبَ توين معظم الرواية بالقلم والحبر بين عامي 1876 (نفس عام نشر توم سوير) و1883. كما أصبحت نسخة لاحقة منها هي أول نسخة مكتوبة على الآلة الكاتبة تُرسَل إلى ناشرٍ. منذ نشر قصته "الضفدع النطاط الشهير في مقاطعة كالافيراس" انطلقت شهرة توين على ألسنة متحدثي الإنجليزية، وسرعان ما انطلقت أخبار عن الكتاب خارج الولايات المتحدة. نُشرت "مغامرت هَكلبري فِن" أخيرًا من قِبل دار شاتو آند وندوز في 10 ديسمبر 1884 بكندا والمملكة المتحدة، ثم في 18 فبراير 1885 في الولايات المتحدة من قِبل دار تشارلز إل ويبستر وشركاه. (تأخر إصدار الطبعة الأمريكية بسبب تغيير طارئ في اللحظات الأخيرة على لوحة داخلية بالكتاب).
حتى الآن، تظل هذه الرواية العظيمة لافتة لأنظار رقابة الريفيين الرجعيين ومتعصبي المدارس، مطالبين بحظر الرواية. في 2003 اقترحت طالبة مدرسة ثانوية اسمها كاليستا فير برفقة جدتها، بياتريس كلارك، في ولاية واشنطن، رفع الكتاب من حي مدرسة رينتون، بسبب الاستخدام المتكرر لكلمة "زنجي". في 2009 نادت مُدرّسة في مدرسة ثانوية بولاية واشنطن برفع الرواية من المناهج المدرسية، قائلة إن "كل الروايات التي تستخدم كلمة ز- بشكل متكرر ينبغي أن تُنبذَ". يسعدني أن أقول إن هَكلبري فِن ما زالت تُقرأ حول العالم، وتُدرَّس كعمل كلاسيكي أمريكي.
[1] سام كليمنز Sam[uel] Clemens هو الاسم الحقيقي لمارك توين.
* الترجمة خاصة بـ Boring Books
** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه