فكر القدماء في الألوهية كنوع من التقسيم الهرمي. فقد أدرك معظمهم أنه على الرغم من وجود الكثير من الآلهة، إلا أن هناك إلهًا واحدًا على قمة الهرم. 

تاريخ ألوهية المسيح

مقال: محمد رشدي

تحرير وتدقيق: حسين الحاج


صلب المسيح لدالي، عن the speak room

أتحدث في هذا المقال عن واحدة من القضايا الرئيسية في العهد الجديد وكذلك في تاريخ المسيحية، ألا وهي مسألة ألوهية المسيح. وأنا لا أتساءل عن ذلك بالمعنى اللاهوتي، بل في ظل النسق التاريخي لهذه الظاهرة، فلا يهمني كثيرًا السؤال عن حقيقة ما إذا كان يسوع الإنسان هو الله حقًا، وما يتبع ذلك من مدلولات ميتافيزيقية وكوزمولوجية، بل ما يهمني هو كيفية توصل أتباعه إلى الاعتقاد بأن يسوع هو الله، وكيفية فهمهم لألوهية يسوع. أنا لا أقول إنه لم يكن كائنًا إلهيًا، ولا أقول أيضًا إنه كان كائنًا إلهيًا، فأنا أتقرب من هذا فقط من النقطة التاريخية عندما يبدأ أتباعه، تاريخيًا، القول بأنه هو الله، ولماذا قالوا ذلك وماذا قصدوا به؟ قد تظن أنه إذا اعتقدت بألوهية يسوع، فلن يكون هناك سوى خيار واحد لما يعنيه ذلك. لكن، حقيقةً، هناك الكثير من الخيارات.

إذن، أريد البدء مع يسوع نفسه، وسؤالي هو هل أطلق يسوع على نفسه اسم الله؟ وحتى أكثر من ذلك، هل اعتقد يسوع أنه هو الله؟ أعتقد أن الجواب على ذلك ليس له أي تأثير عما إذا كان يسوع هو الله حقًا أم لا. تنص العقيدة المسيحية المشروطة للمسيح على أنه الله الذي أصبح إنسانًا. لكن، إذا كنت تعتقد أن يسوع هو الله الذي أصبح إنسانًا، فعليك أن تدرك أنه قيَّد نفسه بطريقة ما عندما أصبح كائنًا بشريًا. وإحدى الأمور التي يمكن أن يحد من نفسه بها هي معرفته. لذلك ربما لم يكن ليعلم أنه كان الله، إذا كان هو الله، عندما أصبح بشريًا. أنا لا أنكر أن يسوع هو الله، فإنني أحاول عدم السماح لمعتقداتي الشخصية بالتدخل في هذا الأمر. أنا مهتم بالسؤال هل أطلق يسوع على نفسه اسم "الله"؟

القسم اﻷول: يسوع كما ورد في اﻷناجيل

يسوع في الإنجيل الرابع

متى، مرقس، لوقا، ويوحنا، هذه هي الأناجيل الأربعة للعهد الجديد. والإنجيل الرابع هو إنجيل يوحنا. وفي هذا الإنجيل يبدو واضحًا تمامًا أن يسوع يتحدث عن نفسه على أنه الله، هذا لا لبس فيه. أعتقد أن ألوهية يسوع المسيح واضحة في إنجيل يوحنا، حيث يعلن يسوع نفسه إلهًا. يوحنا 8:58 قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ».[1] وفقًا ليوحنا، قال يسوع هذا في إحدى مناقشاته مع اليهود على جبل الزيتون. وأنا كائن أصلها كينونة وتعني «أهيه» في العبرية وهو اسم الله الآب في العهد القديم. فأهيه هي صيغة المضارع للمتكلم المفرد وتعني أكون أو أنا هو. كما أن يهوه هي صيغة المضارع للغائب، هو يكون. وعندما يقول أنا كائن أو أهيه فإنه يَدَّعي اسم الله من سفر الخروج. الخروج 3: 13-14 "فَقَالَ مُوسَى للهِ: «هَا أَنَا آتِي إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَقُولُ لَهُمْ: إِلهُ آبَائِكُمْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ. فَإِذَا قَالُوا لِي: مَا اسْمُهُ؟ فَمَاذَا أَقُولُ لَهُمْ؟» فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ»." نري أيضًا في يوحنا 10: 30 «أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ». يوحنا 14: 9 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟».[2]

يُفهم من إنجيل يوحنا أن يسوع هو الله وأنه يدرك تمامًا أنه هو الله. لكنني لا أتساءل عما إذا كان قد تم تصويره بأنه يدعو نفسه الله في إنجيل يوحنا. ما أتساءل عنه هو هل كان يسوع نفسه، الرجل الذي كان يتجول في الجليل، يطلق على نفسه اسم الله أم أن يوحنا وضع هذه الكلمات على شفتيه؟

يسوع في الأناجيل الأخرى

لدينا ثلاثة أناجيل أخرى في العهد الجديد: متى ومرقس ولوقا، وقد كُتبت هذه الأناجيل الثلاثة قبل إنجيل يوحنا. تستند هذه الأناجيل إلى مصادر مكتوبة أو مصادر شفهية يمكن للعلماء إعادة بنائها. وتسمى هذه الأناجيل الثلاثة بالأناجيل السينوبتيكية، لأنها تحكي نفس القصص ويمكننا وضعها في أعمدة بجانب بعضها البعض حتى نتمكن من رؤيتها معًا، فكلمة سينوبتيكية هي كلمة يونانية قديمة تعني أن نراها معًا. في أناجيل متى، مرقس، لوقا لا نجد يسوع يدعو نفسه الله. ولا يوجد أي من هذه الأقوال المأخوذة من إنجيل يوحنا في أي من الأناجيل السينوبتيكية أو في أي من مصادرها. نحن في وقت أبكر من إنجيل يوحنا.

لنفكر في الأمر لدقيقة، لنفترض أنك كنت كاتبًا للإنجيل في الكنيسة الأولى وأنك تكتب عن يسوع، والجميع يعلم أن هذا الرجل، يسوع، أطلق على نفسه اسم الله، هل تتجاهل ذلك؟ أمثل هذا الادعاء ليس بالأهمية الكافية لذكره؟ لهذا السبب يتساءل العلماء عما إذا كان إنجيل يوحنا دقيقًا من الناحية التاريخية أم لا. أنا لا أنكر قيمة هذا الإنجيل اللاهوتية أو الدينية، بل أتساءل ببساطة عما إذا كان الأمر تاريخيًا. ما أعتقده هو أن إنجيل يوحنا يُظهر فهم كاتبه لطبيعة يسوع وتأويله له، بينما يبدو لي أن يسوع التاريخي، ربما، لم يدع نفسه الله، بصرف النظر عما إذا كان هو الله فعلاً أم لا.[3]

ما الذي قاله يسوع تحديدًا؟

لماذا يصعب إذن معرفة ما قاله يسوع بالضبط ونحن لدينا الأناجيل؟ توفي يسوع في حوالي العام 30م. كُتِب الإنجيل الأول، مرقس، في حوالي العام 70م، وكُتِب إنجيل يوحنا، الأخير، في حوالي العام 95م. أربعون إلى ستين سنة بين موت يسوع وأول الروايات المكتوبة عن حياته. هذا مثل ظهور كلمات واعظ، عاش منذ خمسين عامًا، للمرة الأولى هذا الأسبوع. وظهورها ليس بناءً على بحث سابق، لكن استنادًا إلى الروايات الأولى حول ما قاله، بعد أن تم تداولها شفهيًا سنة بعد سنة وعقدًا بعد عقد لمدة أربعين إلى ستين عامًا قبل أن يقوم أحد بكتابتها. فلم يكتب هذه الأناجيل أناس كانوا يدونون ملاحظاتهم في دفاترهم الخاصة حينما كان يلقي يسوع عظة يوم الجمعة على الجبل. هذه روايات كتبها أناس بعد ذلك بعقود.

لقد أشرنا إلى واحدة من الاختلافات بين إنجيل يوحنا والأناجيل السينوبتيكية حول ما إذا قد دعا يسوع نفسه الله أم لا، لكن في الحقيقة ثمة الكثير من الاختلافات. هناك تناقضات في الكتاب المقدس وهذه معرفة شائعة بين علماء العهد الجديد سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين. كل ما عليك القيام به هو أن تأخذ نفس القصة في متى ومرقس مثلًا وتقارنهما بعناية مع بعضهما البعض كلمة بكلمة. خذ مثلًا قصة ولادة يسوع في متى ولوقا وقارنهما ببعضهما البعض وتعرَّف ما إذا كان بإمكانك التوفيق بينهما. خذ قصة قيامة المسيح في متى، مرقس، لوقا، يوحنا وقارن بينها. ستجد كل أنواع الفروق. دُفِن يسوع ويذهب شخص ما إلى القبر، من يذهب إلى القبر؟ نساء؟ كم عدد النساء؟ امرأة واحدة؟ أكثر من واحدة؟ أسماؤهن؟ ماذا رأين؟ هل تدحرج الحجر قبل أن يصلن؟ بعد أن وصلن؟ هل قيل لهن أن يذهبن ويطلبن من الحواريين الذهاب إلى الجليل لمقابلة يسوع؟ أم من المفترض أن يبقوا في القدس لمقابلته؟ هل ذهب الحواريون إلى الجليل أم بقوا في القدس؟ هل تخبر النساء أحدًا عن ما رأين أم لا؟ كل هذه الأسئلة والإجابات عليها تتوقف على أي إنجيل تقرأ. إذن، لو كان لديك مصدران لرواية واحدة على خلاف مع بعضهما البعض، فلا يمكن لكلاهما أن يكون تاريخيًا. إذا كان لديك شاهدان عيان لحدث ما، حادث سيارة على سبيل المثال، ويتناقضان في روايتهما للحادث، قد يكون أحدهما على حق وقد يكون كلاهما على خطأ، لكن لا يمكن لكلاهما أن يكونا على صواب عند نقطة التناقض. هكذا يعمل المنطق.

إذن، هناك وجهات نظر لاهوتية تختلف من إنجيل إلى آخر. فإذا كان كاتب يوحنا قد فَهِم ماهية يسوع كونه إلهًا، فإن الأناجيل الأخرى لديها وجهات نظر لاهوتية مختلفة حول هوية يسوع وحول الكثير من الأمور.[4]

الآثار المترتبة على الاختلافات بين الأناجيل

ثمة أثران يترتبان على هذه الاختلافات بين الأناجيل. أحدهما مرتبط بالمعنى الأدبي، وهو إذا كان لديك روايات مختلفة لنفس الحدث، فلا يجب عليك قراءة كل رواية كما لو كانت تعبر عن نفس الشيء كما الأخرى، فكل رواية مختلفة وقائمة بذاتها. مما يعني أنه عندما تقرأ إنجيل مرقس مثلًا لا ينبغي أن تفترض أنه يقصد نفس الشيء الذي يقصده يوحنا. نحن نميل إلى قراءة الأناجيل كما لو كانت كتابًا واحدًا كبيرًا، ربما لأنها مجمعة بين غلافين صلبين فتبدو كأنها كتاب واحد، لكنها أربع روايات مختلفة لأربعة مؤلفين مختلفين. لذا، إذا قرأنا أي منها وجب السماح لمؤلفه بالتعبير عن رأيه. علينا أن ندعه يقول ما يود قوله وألا نفترض أنه يقول نفس ما يقوله شخص آخر. هذا هو المعنى الأدبي.

لكن ما يعنينا في هذا المقال هو المعنى التاريخي، وهو إذا كانت هذه الروايات متعارضة مع بعضها البعض، فعلينا الانخراط في إعادة البناء التاريخي لما قاله وفعله المسيح حقًا. نحن لا نستطيع ببساطة سرد أقواله في الأناجيل لأن كُتَّاب الأناجيل يفرضون وجهات نظرهم الخاصة على كلمات يسوع، كما فعل الرواة والقاصون من قبلهم. يشكلون ما قاله بناءً على فهمهم للأمور وكيفية تصورهم لما تعنيه تعاليم يسوع. لقد عمل المؤرخون منذ سبعينيات القرن الثامن عشر على هذا السؤال، ماذا قال يسوع التاريخي؟ وما يقوم به العلماء هو أنهم ينظرون في تقاليد الأناجيل بعناية شديدة ويطبقون عليها معايير النقد التاريخي الصارمة. لدينا كل هذه الأناجيل وكلها مبنية على مصادر سابقة. لذا ما نريد القيام به هو أن نبحث في وجود أقوال عن يسوع تشبه بعضها بعضًا في مصادر لا تعتمد على بعضها. إنه مثلما تحاول الحصول على شهادة لجريمة ما من شهود عيان لم يتعاونوا مع بعضهم البعض، فتبحث عن المشترك فيما يقولون.

الطريقة الأخرى هي أن نبحث عن أقوال يسوع التي لا تتطابق مع وجهات نظر الكاتب الذي يُسنِد إليه هذه الأقوال. لنفترض أن ثمة محاكمة، وهناك شخص ما قيد المحاكمة، ووالدته التي تحبه تخضع للاستجواب، وتقول أشياء تدينه، فمن المحتمل أنها تقول الحقيقة لأنها بالطبع لا تريد قول هذه الأشياء عن ولدها. لذلك، إذا وجدت مصادر تاريخية تقول أشياء تتعارض مع مصالحها الخاصة، فهذه الأشياء، في أغلب الظن، أصلية. يستخدم المؤرخون هذه المعايير في البحث، سطرًا بسطر وكلمة بكلمة، للوصول إلى المواضع التاريخية في الأناجيل.[5]

إعادة بناء علمي: يسوع الرؤيوي

هناك وجهة نظر أصبحت شائعة جدًا بين العلماء لأكثر من مائة عام حول من كان يسوع التاريخي وما قاله. لقد نشر هذا التصميم لأول مرة عام 1906م من قبل ألبرت شفايتزر الحاصل على جائزة نوبل في السلام والحاصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة. من أشهر كتبه هو البحث عن يسوع التاريخي، الذي غير الطريقة التي نظر بها العلماء إلى يسوع. وما قام به كان مسحًا لما قاله كل عالم ناقد عن يسوع التاريخي حتى يومه.

كانت فكرته الأساسية أنه يمكننا فهم يسوع بشكل أفضل باعتباره نبيًا رؤيويًا. كلمة رؤيا تأتي من كلمة أبوكاليبسيس وهي كلمة يونانية قديمة تعني الكشف عن أو الوحي. فقد اعتقد اليهود أن الله قد كشف لهم الأسرار السماوية في العهد القديم، والتي من خلالها يمكنهم فهم الحقائق الأرضية. كان هناك الكثير من الرؤيويين اليهود في أيام المسيح، الذين اعتقدوا في الرؤى والكتابات الرؤيوية اليهودية التي تحدثت عن نهاية العالم وقدوم المخلص الذي سيقيم مملكة الله على الأرض.

لم يكن يسوع غير عادي وقتها. لقد كانت لديه وجهة النظر الدينية السائدة في هذا الوقت. كان يتحدث بلغة يفهمها الناس جيدًا. وكان الرؤيوي اليهودي يعتقد أن هناك مكونين أساسيين للواقع. هناك قوى الخير وقوى الشر، وهما في معركة مستمرة. الله بالطبع على جانب الخير والشيطان على جانب الشر. وقبل حوالي مائة وخمسين عامًا من ظهور يسوع بدأت الكتابات الرؤيوية بالظهور. عندها بدأ الناس يتحدثون عن الشيطان.

بينما عندما نقرأ كتابات العهد القديم الأولى، لا يوجد شيطان. كل هذا الفكر عن الشيطان، العدو الشخصي لله الذي عارضه، جاء إلى حيز الوجود في الرؤى اليهودية. معتقدين بأن الله لديه ملائكته والشيطان لديه شياطينه، لله قوى الحياة وللشيطان قوى الموت، لله قوى البِر وللشيطان قوى الخطيئة. والتفكير الرؤيوي ليس لمجرد الظواهر البشرية، فالخطيئة عند الرؤيوي اليهودي ليست مجرد شيء خاطئ نفعله كما لو كنا نغش في ضرائبنا أو عندما نسيء لأحدهم. إن الخطيئة ليست مجرد انتهاك ضد الله، لكنها قوى كونية موجودة في عالمنا تحاول استعبادنا. هناك قوى شيطانية أقوى منا تحاول إجبارنا على الرضوخ لإرادتها. كذلك الموت ليس مجرد ما يحدث عندما نتوقف عن التنفس أو يتوقف دماغنا عن العمل، فالموت قوى تسعى دائمًا لهلاكنا. هذه طريقة إثنينية للنظر إلى الواقع، فكل شيء وكل شخص في جانب أو آخر. هذه هي العقيدة الأولى للرؤيويين اليهود. والإثنينية تعني كون الشَّيء الواحد مشتملًا على حدَّين متقابلين كتقابل الفكر والعمل، وتقابل الخيال والحقيقة. فلا توجد منطقة محايدة، ولذا عليك أن تقرر أي الجانبين تختار. إن ازدواجية الخير والشر تُعْمِل نفسها في سيناريو تاريخي طبقًا للرؤيويين. هناك ازدواجية تاريخية بين هذا العصر الذي نعيش فيه الآن والعصر الآتي. حيث تتحكم قوى الشر في هذا العصر كما يمكنك أن تدرك ذلك بمجرد النظر حولك. الأعاصير، الزلازل، الجفاف، الفيضانات، المجاعات، الأوبئة، العيوب الخلقية، والحروب. هذه هي بؤرة البؤس، لأن قوى الشر هي المسيطرة. لكن الله سوف يتدخل ويدمر قوى الشر ويجلب مملكته الصالحة التي لن يكون فيها ألم أو معاناة.

أما العقيدة الثانية للرؤيويين اليهود هي التشاؤم. فلم يكونوا متفائلين أبدًا بشأن إمكانيات الحياة في هذا العالم. إنك لن تجعل الأمور أفضل. لا يمكنك منع الفيضانات، أو المجاعات، أو الأوبئة. وليس لديك أية سيطرة على قوى الخطيئة، أو قوى الموت. ولن تكتسب أبدًا القوة للسيطرة على هذه الأمور، لأنها ببساطة أقوى منك. هذا العصر سوف يزداد سوءًا، لذلك لا تعتقد أنه يمكنك جعل الأمور أفضل بوضع المزيد من المعلمين في الفصل أو المزيد من رجال الشرطة على الطرقات أو بتطبيق أي أجندة سياسية. بالطبع يمكنك أن تفعل ما تريد، لكن الأمر سيزداد سوءًا على أي حال.

لكنهم على الجانب الآخر آمنوا أيضًا بالدفاع المطلق. سوف يدافع الله عن نفسه وعن شعبه. لقد خلق الله هذا العالم وسوف يُخَلِّصَه بتدمير قوى الشر في نهاية هذا العصر. وفهم الرؤيويون اليهود كيفية حدوث الخلاص بطرق مختلفة. لكن اعتقد الكثير بأنه سيكون هناك معركة كونية في نهاية هذا الزمان، حيث يرسل الله مُخَلِّص من السماوات العلى، يدمر قوى الشر ويجلب ملكوت الله على الأرض. أحيانًا يطلق على هذا المخلص ابن الإنسان وهو كائن سماوي في صورة بشر. وفي أحيان أخرى يطلق عليه المسيح، والذي قد يكون كائنًا سماويًا أو كائنًا بشريًا. حينها سيُنقذ الله شعبه ويدمر أولئك الذين ضده. ليس فقط من كان على قيد الحياة في ذلك الوقت، بل سيتم تطبيق هذا الحكم حتى على الأموات.

كان الرؤيويون اليهود أول من أدخلوا فكرة قيام الأموات على اليهودية. في معظم أنحاء الكتاب المقدس العبراني، لا وجود لأي مدلول على القيامة. حيث اعتقد معظم الإسرائيليين القدماء أنه عندما تموت، سواء كنت جيدًا أو سيئًا، ستذهب إلى شيول وهو مصطلح توراتي عبري يعني مقبرة البشر المشتركة ويعرف بالهاوية في اللغة العربية. هذا الوجود الغامض الذي يذهب إليه الجميع بعد الموت يعني أنك لم تعد موجودًا. هذه الحياة التي تعيشها الآن هي كل ما لديك، وشيول هو منتهى القصة. سفر أيوب 7: 9-10 «السَّحَابُ يَضْمَحِلُّ وَيَزُولُ، هكَذَا الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى الْهَاوِيَةِ لاَ يَصْعَدُ. لاَ يَرْجعُ بَعْدُ إِلَى بَيْتِهِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مَكَانُهُ بَعْدُ».[6] هكذا اعتقد الرؤيويون اليهود، بأنه ستكون هناك قيامة وحينها ستكون نهاية العالم. أصبح هذا المعتقد متصدر للفكر اليهودي مع صعود الرؤيا اليهودية. لكن متى سيحدث كل هذا؟ بالنسبة للرؤيويين اليهود كانت النهاية وشيكة، وهي قاب قوسين أو أدنى.[7]

تعاليم يسوع الرؤيوية

مرقس 9: 1 وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مِنَ الْقِيَامِ ههُنَا قَوْمًا لاَ يَذُوقُونَ الْمَوْتَ حَتَّى يَرَوْا مَلَكُوتَ اللهِ قَدْ أَتَى بِقُوَّةٍ». مرقس 13: 30 «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَمْضِي هذَا الْجِيلُ حَتَّى يَكُونَ هذَا كُلُّهُ».[8] يَكْرِزُ يسوع ببشارة ملكوت الله القادم في جميع أنحاء متى، مرقس، لوقا. إنها أقدم كلمات يسوع المسجلة. فأول ما تفوه بها يسوع في إنجيل مرقس 1: 15 وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ».[9] لقد كَمَلَ الزمان! هذه نظرة رؤيوية للعصر الذي يعيش فيه، وقد خُصِّصَ له مقدارًا معينًا من الوقت. بعبارة أخرى نحن في النهاية، وملكوت الله على الأبواب. استعد لذلك. هذا هو جوهر تعاليم يسوع، وأعتقد أنها تُجَسِّد رسالته الأساسية.

كيف سيأتي الملكوت؟ عَلَّم يسوع تلاميذه أنه سيكون هناك قاضٍ كوني للأرض، دعاه ابن الإنسان، سيأتي على سحابة لتدمير قوى الشر وجلب ملكوت الله. فمن قَبِل تعاليم يسوع سَيُكافأ ومن لم يقبل سَيُعَاقَب. يتحدث يسوع كثيرًا عن ابن الإنسان. وفي كثير من الأحيان عندما يتحدث يسوع عن ابن الإنسان في الأناجيل فإنه يتحدث عن نفسه. لوقا 9: 22 قَائِلًا: «إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَتَأَلَّمُ كَثِيرًا، وَيُرْفَضُ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ».[10] والسؤال هنا هل قال يسوع هذا حقًا؟ وجهة نظري هي وجهة النظر القائلة بأن الأقوال التي تعرف يسوع على أنه ابن الإنسان لا يمكن الوثوق بها على أنها تعود بالضرورة إلى يسوع. لكن هناك أيضًا بعض الأقوال عن يسوع حيث يميز فيها نفسه عن ابن الإنسان. مرقس 3: 38 «لأَنَّ مَنِ اسْتَحَى بِي وَبِكَلاَمِي فِي هذَا الْجِيلِ الْفَاسِقِ الْخَاطِئِ، فَإِنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَسْتَحِي بِهِ مَتَى جَاءَ بِمَجْدِ أَبِيهِ مَعَ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ».[11] أعتقد أن يسوع قال ذلك، لأن الكتاب المسيحيين لن يلفقوا أقوالًا ليسوع تميز بينه وبين ابن الإنسان. فقد اعتقد المسيحيون الأوائل أن يسوع هو ابن الإنسان، هو القاضي الكوني الذي يعود من السماء بعد موته. هذه هي تعاليم يسوع الرؤيوية باختصار. وبناءً علي ذلك، نستنتج أن يسوع كان نبي رؤيوي اعتقد أن قوى الشر تسيطر على العالم، لكن سرعان ما سيتدخل الله لتدميرها. ستكون هناك قيامة للأموات وسيحضر الله ملكوته الصالح على الأرض.[12]

الآثار المترتبة على فهم هوية يسوع كرؤيوي

الآن، ما هي الآثار المترتبة على ذلك؟ هل يخدمنا هذا في معرفة كيف فهم يسوع طبيعته؟ أنبياء الكتاب المقدس هم أناس أُخْبِروا بكلمة الله وآمنوا بأن الله قد تحدث إليهم وبأنهم كانوا يتحدثون نيابةً عنه. فَهِم يسوع أنه ينقل كلام الله. لذا، بهذا المعنى، اعتقد يسوع بأنه نبي. يعتقد أغلب المسيحيين أن المسيح اليهودي كان من المفترض أن يكون إلهًا. كان من المفترض أن يكون الله على الأرض. لكن، هذا ما لم يعتقده أي مفكر يهودي عن المسيح. وكلمة المسيح باللغة العبرية هي ماشيح وتشير إلى من تم مسحه بزيت الزيتون دلالة على تكريسه كاهنًا أو ملكًا. ويَرِد أول ذكر لمثل هذا الطقس في سفر الخروج 29: 7 ضمن تعليمات موسى بشأن مراسم تكريس هارون وأبنائه للكهنوت «وَتَأْخُذُ دُهْنَ الْمَسْحَةِ وَتَسْكُبُهُ عَلَى رَأْسِهِ وَتَمْسَحُهُ».[13] فالماشيح هو من اختاره الله لتحقيق إرادته على الأرض وهو ملك إسرائيل. لم يكن لإسرائيل ملك لمدة 600 عام، منذ عام 586 قبل الميلاد. واعتقد بعض اليهود أن الله سيجلب مملكته على الأرض، ويكون الماشيح ملكها. هذا هو من أطلقوا عليه اسم المسيح. المسيح هو ملك إسرائيل المستقبلي.

هل اعتقد يسوع أنه المسيح؟ هل اعتقد يسوع أنه هذا الملك؟ أعتقد أن الجواب نعم. متي 19: 28 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَبِعْتُمُونِي، فِي التَّجْدِيدِ، مَتَى جَلَسَ ابْنُ الإِنْسَانِ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ، تَجْلِسُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ كُرْسِيًّا تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ».[14] لماذا أعتقد أن يسوع قال هذا؟ لأنه قال هذا لجميع تلاميذه الإثني عشر بما فيهم يهوذا الإسخريوطي. لن يؤلف أي مسيحي، لاحق لموت يسوع، قولًا يدل فيه على أن يهوذا الإسخريوطي سيكون حاكم في ملكوت الله على الأرض. وإذا كان التلاميذ الإثني عشر سيصبحون حكامًا في المملكة، وسيحكمون القبائل الإثني عشر، ويسوع هو من دعاهم، فهو سيدهم، بالتالي سيكون يسوع ملك هذه المملكة. سيكون يسوع هو الماشيح.

ومن شبه المؤكد أن يسوع قد أُعدم لأنه أطلق على نفسه ملك اليهود. بالطبع لا يتجول يسوع أثناء خدمته العامة قائلًا إنني ملك اليهود. لكن عندما تمت محاكمته أمام بيلاطس البنطي، سأله بيلاطس هل أنت ملك اليهود؟ وعندما صلب يسوع وُضِعَت لافتة فوق رأسه تقول إن هذا هو ملك اليهود. لماذا هذه التهمة؟ ليس هناك شك في أنها كانت التهمة، فهي موجودة في كل الأناجيل وفي جميع مصادرها. هذا ما صُلِب يسوع من أجله. لكن لماذا ظن بيلاطس هذا؟ لا أظن أن يهوذا قد خان يسوع بأن أفشى ببساطة مكان مخبئه السري. أخبر يسوع تلاميذه بأنه سيكون ملك اليهود وبأنهم سيحكمون تحت قيادته، وأظن أن يهوذا قد ذهب إلى السلطات وأخبرهم بذلك بداعٍ من الحماسة والبشارة. ولهذا السبب عرف بيلاطس أن يسوع كان يدعو نفسه ملك اليهود. وعندما اتُّهِم يسوع بهذا في المحاكمة لم يستطع أن يقول لا لأنه اعتقد بأنه سيكون ملك اليهود المستقبلي. رأى يسوع أنه المسيح، لكن هل ظن أنه المسيح المصلوب؟ لا أعتقد ذلك. لا أعتقد أن يسوع كان يخطط للموت. أعتقد أنه توقع قدوم ابن الإنسان وأن يتم تنصيبه ملكًا، وبسبب هذا الاعتقاد انتهى أمره بالصلب. بعد ذلك بدأ تلاميذه بتطوير فكرة المسيح المصلوب الذي عليه أن يعاني. وكانت تلك بداية المسيحية.[15]

القسم الثاني: الإنسان الإلهي في العالم القديم

تأليه الإنسان

سبق وأن أشرت إلى الفهم المتباين لألوهية يسوع. إذا قلت إن يسوع هو الله، فقد يعني ذلك أشياء مختلفة حسب فهمك لطبيعة يسوع نفسه.

يأخذنا هذا إلى الحديث عن كيفية فهم الناس في العالم القديم لإمكانية أن يكون الإنسان كائنًا إلهيًا. مما يعطينا فهمًا أعمق عن يسوع كإنسان إلهي. نحن لا نفكر في الأمر اليوم مثلما فكر فيه القدامى. حيث يعتقد معظم الناس اليوم أننا مجرد هؤلاء البشر الفانين. لدينا هذه الهوة بين الإلهي والإنساني. لكن لم يكن لدى القدامى تلك الهوة. بالنسبة للقدماء، كان هناك تدرج من الإلهي إلى الإنساني وأيضًا الكثير من التداخل. فهناك ثلاث طرق اعتقد بها القدامى لإمكانية أن يكون الإنسان إلهيًا وأيضًا ليكون الكائن الإلهي إنسانًا.

الأولى هي أنه، في بعض الأحيان، كان يُعتقد أن هناك بعض الأشخاص من بيننا يتفوقون كثيرًا على بقية البشر. هناك بعض الأشخاص جمالهم لا يصدق، أذكياء بشكل لا يصدق، أو أقوياء بشكل لا يصدق. بدا هؤلاء الأشخاص وكأنهم يمتلكون قوى خارقة. بدوا أعلى من عموم الناس. إنهم ينتمون لعالم الآلهة. فكر القدماء في الألوهية كنوع من التقسيم الهرمي. فقد أدرك معظمهم أنه على الرغم من وجود الكثير من الآلهة، إلا أن هناك إلهًا واحدًا على قمة الهرم. هناك الكثير من الناس، ليسوا يهودًا فحسب، بل وثنيون أيضًا، أناس مشركون، أدركوا أن هناك إلهًا واحدًا أعلى من كل شيء. ربما يكون زيوس إذا كنت يونانيًا، أو جوبيتر إذا كنت رومانيًا، أو ربما يكون إلهًا لا تعرف حتى اسمه. أدنى هذا الجزء العلوي من الهرم يوجد الآلهة الأقل شأنًا. فنجد في الأساطير اليونانية، لزيوس زوجته هيرا، وهناك إله الحرب آريس، وإلهة الجمال أفروديت. هؤلاء هم الآلهة الذين يسكنون جبل الأوليمب. وكانت هناك أيضًا آلهة محلية. كان للمدن آلهتها، للبيوت، للغابات، للأنهار، كانت الآلهة في كل مكان. كان هناك إله لكل وظيفة. آلهة للاستشفاء والتعليم ورعاية الماشية، آلهة للولادة، آلهة للحرب والصحة. وكانت هذه الآلهة المحلية أقل قوة من آلهة جبل الأوليمب. تحت هذه الآلهة المحلية كانت هناك مجموعة أخرى تسمى الدايمون، وهي لا تعني شياطين، هم مجرد آلهة من المستوى الأدنى، أقرب إلى البشر لأن نشاطهم متعلق أكثر بالبشر، لكنهم أقل قوة بكثير من الآلهة الأخرى. وأسفل الدايمون هم البشر المؤلهين. هناك مجموعة واسعة من الاحتمالات للألوهية داخل هذا الهرم. كان مفهومًا وعاديًا إمكانية بعض البشر أن يصبحوا آلهة من خلال الارتقاء إلى مستوى الألوهية. حيث ترضى الآلهة عن بعض الناس بسبب جمالهم أو حكمتهم أو قوتهم أو بعض الصفات الأخرى، فتجعلهم إلهيين.

كان رومولوس[16]، بحسب الأسطورة الرومانية، مؤسس مدينة روما. كان له أخ توأم، ريموس، ووُلدا على يد ذئب. كانا سيشتركان في تأسيس المملكة، لكن قتل رومولوس شقيقه ريموس، وأسس روما. ربما لهذا السبب نسميها روما وليس ريما. انتشرت الأساطير حول ما حدث لرومولوس وقت وفاته. فبعد تأسيس مدينة روما، كان هناك عرض للجيش. وكان رومولوس جالسًا وبجانبه قادة الجيش لتقييم العرض. فجأة ظهرت عاصفة رعدية وانتشر الضباب وعم الظلام، لا يمكن رؤية أي شيء. وعندما رُفع الضباب لم يعد رومولوس موجودًا. هناك نظريتان حول سبب عدم وجوده. كانت النظرية الرسمية هي أنه ارتقى إلى السماء ليصبح إلهًا. والنظرية الأخرى هي أن أعضاء مجلس الشيوخ الذين سئموا كونه ديكتاتورًا قتلوه ومزقوه عن أطرافه ثم قالوا إنه تعالى إلى السماء. لقد أصبح كائنًا إلهيًا. صَدَّق الناس تلك الأسطورة لأن رومولوس كان عظيمًا لدرجة أن الآلهة قررت اصطحابه ليكون إلهًا بدوره. كان ذلك مقبولًا تمامًا للناس في العالم القديم. حيث يُمْكِن للإنسان أن يتحول إلى كائن إلهي بل ويُعْبَد أيضًا. إنه أحد آلهتهم الآن. حيث كان يُعتقد أن الأباطرة الصالحين يتم نقلهم إلى السماء عند موتهم ليصيروا آلهة. الجدير بالذكر، أن مجلس الشيوخ الروماني هو من كان يصَوِّت على ما إذا كان إمبراطور ما سيتم تأليهه أم لا. لذا فإنهم لم يصوتوا مثلًا لإمبراطور مثل نيرو أو كاليجولا ليصبحوا آلهة. وكانت هناك معابد للأباطرة تتم عبادتهم فيها بالطريقة التي تُعبد بها بعض الآلهة الأخرى. ليس الأمر كما لو كانوا مثل زيوس مثلًا، لقد كانوا كائنات إلهية في مستوى أدنى، لكنهم كانوا بالتأكيد كائنات إلهية. هذا ما كان عليه الأمر.

رومولوس لدومينيك أنجر، عن ويكيبيديا

لكن ما علاقة ذلك باليهودية واليهود؟ ذلك لأن اليهود فهموا أيضًا إمكانية أن يرتقي البشر إلى مستوى الألوهية. اعتقد بعض اليهود بأن موسى قد ارتقى ليصبح كائنًا إلهيًا، وكذلك البطريرك أخنوخ، وحتى ملك إسرائيل. سفر المزامير 45: 6 «كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ».[17] يخاطب الله ملك إسرائيل ويقول له عرشك يا الله إلى أبد الآبدين. هنا يدعو الله ملك إسرائيل إلهًا. سفر إشعياء 9: 6 «أَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ».[18] هذا هو ملك إسرائيل. إله قدير. على عكس ما نعتقد حاليًا بأنه في إسرائيل القديمة كان لديهم إله واحد وأن البشر كانوا مجرد فانين. في الحقيقة كان لليهود أيضًا هذا النوع من الفهم للتدرج من الآلهة إلى البشر. كان لديهم نوع من الهرم الإلهي أيضًا.[19]

ولادة الإنسان لإله

أصبح الإنسان إلهًا بطريقة ثانية في التفكير القديم، فقد وُلِد البشر، أحيانًا، لإله. وهناك كثير من الأمثلة على ذلك، حيث يتنزل إله من السماء ويتحد مع امرأة من بنات البشر ويكون النسل إنسانًا إلهيًا.

هناك مسرحية للكاتب المسرحي الروماني بلاوتوس، تدعى «أمفيتريون». ذهب أمفيتريون إلى الحرب وكانت زوجته ألكمينا في المراحل الأولى من الحمل. حينها ينظر جوبيتر، كبير آلهة الرومان، لأسفل ويرى ألكمينا. فيأسره جمالها ويرغب في أن تكون له. وهكذا تنزل جوبيتر من السماء ليجامع ألكمينا، حيث تنكر في صورة أمفيتريون. اعتقدت ألكمينا أن أمفيتريون قد فضل العودة إلى بيته على الذهاب إلى الحرب، فرحبت به بأذرع مفتوحة وأخذته إلى الفراش. قضى جوبيتر وقتًا رائعًا تلك الليلة لدرجة أنه أمر الأبراج السماوية بالتوقف عن الحركة لكي يقف الوقت ساكنًا ويحظى بليلة أطول. وفي الصباح التالي، يصعد جوبيتر عائدًا إلى السماء لحظات قبل عودة أمفيتريون إلى منزله. لكن أمفيتريون لا يفهم لماذا لا ترحب به زوجته بالشكل اللائق، خاصة بعد غيابه لعدة أشهر. يسيطر الغضب والغيرة على أمفيتريون بعد أن عَلِم أن ألكمينا قد جامعت رجل غيره. وبعد جدال طويل، كانت ألكمينا تستعد لترك زوجها الغيور، لكن جوبيتر تدخل في الوقت المناسب، وسرعان ما بدأ في تصحيح الأمور. أنجبت ألكمينا ولدين توأمين. معجزة! أحدهما هو ابن أمفيتريون، ربما لا يعرفه أحد اليوم، والآخر هو الأشهر، هرقل ابن جوبيتر. ولقمع غضب أمفيتريون، شرح له جوبيتر ما فعله. تَفَهَّم أمفيتريون وتَشَرَّف بمشاركة زوجته مع جوبيتر. سفر التكوين 6: 1-4 «وَحَدَثَ لَمَّا ابْتَدَأَ النَّاسُ يَكْثُرُونَ عَلَى الأَرْضِ، وَوُلِدَ لَهُمْ بَنَاتٌ، أَنَّ أَبْنَاءَ اللهِ رَأَوْا بَنَاتِ النَّاسِ أَنَّهُنَّ حَسَنَاتٌ. فَاتَّخَذُوا لأَنْفُسِهِمْ نِسَاءً مِنْ كُلِّ مَا اخْتَارُوا. فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». كَانَ فِي الأَرْضِ طُغَاةٌ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَيْضًا إِذْ دَخَلَ بَنُو اللهِ عَلَى بَنَاتِ النَّاسِ وَوَلَدْنَ لَهُمْ أَوْلاَدًا، هؤُلاَءِ هُمُ الْجَبَابِرَةُ الَّذِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ ذَوُو اسْمٍ».[20] هذه فكرة مماثلة في العهد القديم، حين دخل أبناء الله على بنات الناس فأنجبوا منهن الجبابرة الذين ذاع صيتهم بين الأمم لقوتهم المفرطة. فهُم بشر ولدوا لآلهة ليصبحوا أشباه آلهة.[21]

أنسنة الإله

ثالثًا، إمكانية أن يصير الإله إنسانًا. ثمة أوقات حين يقرر فيها أحد الآلهة أن يكون له بعض التفاعل مع البشر. ولكي يحدث ذلك يصبح الإله ببساطة إنسانًا لفترة من الوقت. مثلما حدث في قصة أمفيتريون، حين تنزل جوبيتر من السماء ليجامع ألكمينا. فاتخذ حينها صورة إنسان، وهو أمفيتريون، ليفعل ذلك. هناك أمثلة على ذلك أيضًا في العهد القديم. حيث يظهر الله لأناس كإنسان في بعض المناسبات. يصبح الله وقتها ملاك الرب، ويكون له مظهر بشري أحيانًا. سفر التكوين 18: 1-2 «وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ».[22] يستقبل والد اليهود، إبراهيم، ثلاثة غرباء جاءوا يخبروه بأنهم سيحطمون سدوم وعمورة بسبب فجور أهلها. يغسل إبراهيم أقدامهم ويطعمهم، ثم يذهب اثنان منهم لتدمير سدوم وعمورة. هذان الاثنان كانا مَلَكان والثالث كان الله ذاته. اتخذ الله صورة إنسان ليظهر لإبراهيم ويحدِّثه.[23]

القسم الثالث: يسوع كإنسان إلهي

كريستولوجيا التمجيد

أترى الآن أهمية كل هذا لفهم طبيعة يسوع؟ لدينا بشر قد صاروا آلهة، وبشر وُلِدوا لآلهة، وآلهة أصبحت بشرًا لفترة ما. فَهِمَ المسيحيون الأوائل لاهوت يسوع بكل طريقة من هذه الطرق الثلاث. فقد ظن بعضهم أنه إنسان قد أصبح إلهًا، وظن بعضهم أنه إنسان إلهي وُلِد لاتحاد الله الآب بمريم، وظن البعض الآخر أنه إله أتى إلى الأرض في صورة بشر. اليوم، أعتقد أن معظم المسيحيين يعتقدون في الأشياء الثلاثة. والطريقة الرئيسية الأولى لفهم لاهوت يسوع هي كريستولوجيا التمجيد.

الكريستولوجيا هي المصطلح التقني لعقيدة المسيح، ومن ثم هي طريقة لفهم ماهية المسيح. لذا فإن كريستولوجيا التمجيد هي كريستولوجيا تدرك أن المسيح بدأ كإنسان ثم صار كائنًا إلهيًا. لقد تم رفعه وتمجيده إلى مرتبة الألوهية، حيث اعتقد المسيحيون الأوائل أن يسوع كان إنسانًا كاملًا من لحم ودم وقد أصبح كائنًا إلهيًا عند قيامته. فالمصادر الأولى لا تدَّعي بداية يسوع كإله، لكنه ولد لاتحاد يوسف ومريم. كان إنسانًا مثل أي شخص آخر. لكن عندما مات، طاعة لإرادة الله، أقامه الله من بين الأموات ورفعه إلى السماء. لكن ما هو مغزى القيامة؟ لم يكن الأمر ببساطة كما لو أن يسوع قد مر بتجربة الاقتراب من الموت. ولم يكن الأمر كما لو أن جسده قد تم إنعاشه لمدة عشر سنوات أخرى ثم مات. فعندما أقيم يسوع من بين الأموات، تم رفعه إلى السماء ولم يعد موجودًا بين البشر. وإذا لم يكن هنا بيننا وقد قام من الموت، أين يجب أن يكون؟ في السماء. وماذا يحدث للفرد عندما يُرفَع إلى السماء؟ يصبح كائنًا إلهيًا.

بمجرد أن اعتقد المسيحيون بأن يسوع قد قام من الموت، استنتجوا أنه قد أصبح إلهًا. لكن لماذا أعتقد أن هذا هو أقدم اعتقاد للمسيحيين؟ لوضوح هذا الرأي في المصادر المسيحية التي سبقت أناجيل العهد الجديد. حيث يحتوي العهد الجديد على أقدم الكتابات المسيحية ألا وهي رسائل بولس. فأول كاتب مسيحي لدينا هو بولس، الذي كتب رسائله في خمسينيات القرن الأول الميلادي. أي بعد عشرين إلى ثلاثين سنة من موت يسوع. واهتمامنا هو معرفة ما كان يحدث في العشرين أو الثلاثين عامًا التي سبقت بولس، قبل رسالته الأولى. من الواضح انتشار قصص عن يسوع خلال تلك الفترة، وربما تغيرت وجهات نظر الناس حول طبيعة يسوع بمرور الوقت لأنهم تفكروا أكثر في الأمر. لقد تطور لاهوتهم. لكن هل توجد أية طريقة للعودة إلى ما كان يتداول على ألسنة الناس عن يسوع في تلك الأوقات؟ كيف نعرف ما كانوا يقولون في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الأول الميلادي قبل هذه الكتابات؟

هناك الكثير من الدراسات حول هذا الأمر، أدت إلى اعتقاد واسع النطاق بأن كتابات العهد الجديد تحتوي أحيانًا على تقاليد كانت تطفو في وقت سابق له. هذه التقاليد تسمى تقاليد ما قبل الكتابة. وهي تقاليد تم تداولها شفهيًا قبل كتابتها، ويمكن عزلها عن الكتابات الأحدث في الأناجيل. نقرأ رسائل بولس ويبدو أحيانًا أنه يقتبس من شيءٍ ما. مما يعني أن هذا الشيء كان موجودًا قبل أن يكتب بولس رسائله. إنه من تقاليد ما قبل الكتابة وهو أقدم من بولس. وقيمة ذلك في أنه سيعطينا بعض الفهم لما كان يقوله الناس قبل بولس. رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 1: 3-4 «عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا».[24]

تعتبر رومية الرسالة الأولى لبولس حسب ترتيب كتابات العهد الجديد. يكتب بولس للمسيحيين في روما، ويعَرِّف نفسه بأنه رسول يكرز بإنجيل يسوع المسيح، ابن داود من جهة الجسد، الذي صار ابن الله من جهة الروح القدس. يعتقد العلماء أن بولس يقتبس من ترنيمة عقائدية كانت متداولة في هذا الوقت. وأحد أسباب الاعتقاد بأن هذا من تقاليد ما قبل الكتابة، هو قول بولس بأن يسوع قد صار ابن الله عند قيامته من الأموات. فهو لا يؤمن بذلك. رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 6-7 «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ».[25]

بحسب الترتيب التاريخي لرسائل بولس فإن فيلبي تأتي قبل رومية. في فيلبي يرى بولس أن المسيح هو صورة الله. فهو لا يؤمن بأن يسوع قد أصبح ابن الله عند قيامته، بل اعتقد أن يسوع هو ابن الله منذ الأبد. نستنتج من هذا أن وجهة النظر القائلة بأن الله قد تبنَّي يسوع بعد قيامته، كانت تطفو بين الناس قبل كتابات بولس.

ثمة مثال آخر على تقاليد ما قبل الكتابة نجده في سفر أعمال الرسل. يبدأ العهد الجديد بالأناجيل الأربعة التي تدور حول حياة وموت وقيامة يسوع. إذًا كل ما نعرفه عن يسوع يأتي من الأناجيل الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا. بعدها يأتي سفر أعمال الرسل، والذي يتحدث عما حدث لتلاميذ يسوع بعد رحيله. فهذا النص يوثق انتشار المسيحية المبكرة. سفر أعمال الرسل 13: 33 «إِنَّ اللهَ قَدْ أَكْمَلَ هذَا لَنَا نَحْنُ أَوْلاَدَهُمْ، إِذْ أَقَامَ يَسُوعَ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ أَيْضًا فِي الْمَزْمُورِ الثَّانِي: أَنْتَ ابْنِي أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ».[26] يقول بولس لجمهوره من اليهود أن ما وعد به الله آباءنا قد أكمله اليوم لنا، نحن أبناءهم، بإقامته يسوع من بين الأموات، وبذلك جعله الله ابنًا له. مرة أخرى، لدينا نفس الفكرة أن الله قد تبنى يسوع عندما أقامه من بين الأموات. يبدو أن هذا من تقاليد ما قبل الكتابة. ويبدو أنه أقدم فهم للمسيحيين لطبيعة يسوع، حيث اعتقد المسيحيون الأوائل بأن الإنسان يسوع قد صار إلهيًا بتبني الله له. لقد بدأ كإنسان، ثم أصبح إلهيًا بالتبني.

ينظر بعض العلماء اليوم إلى هذا النوع من الكريستولوجيا، كريستولوجيا التبني، على أنها منخفضة المستوى. فنجد العلماء يتحدثون أحيانًا عن كريستولوجيا منخفضة المستوى، يبدأ يسوع فيها إنسانًا ثم يصبح إلهًا، وأخرى عالية المستوى، يكون المسيح فيها دائمًا إلهًا ثم يصبح إنسانًا لفترة من الوقت. لكن، في العالم القديم لم يُنظَر للتبني بنفس الطريقة التي يُنظَر بها له اليوم. لقد كان التبني، على الأقل في المجتمع الروماني، شيئًا كبيرًا. وعادة ما تمتع الطفل المتبنى بسلطة ومكانة وامتيازات أكثر من الطفل البيولوجي. كان ليوليوس قيصر ولده البيولوجي من كليوباترا، واسمه قيصريون. ربما لم تسمع به من قبل. كما كان لديه ابن بالتبني، أوكتافيان. وعندما توفي يوليوس قيصر، أصبح أوكتافيان وريثه للعرش وصار أوغسطس قيصر. عندما كان يتم تبني شخص ما، فذلك يكون لشخصيته وهويته. بينما سيتشكل طفلك البيولوجي إلى أي شيء، وغالبًا لا يمكنك التحكم في ذلك. لكن إذا تبنيت شخصًا بالغًا، كما حدث في العالم القديم، فإنك تتبنى هذا الشخص لأنك ترى إمكانياته بالفعل. وعندما تقول إنك الابن المتبنى ليوليوس قيصر، فهذا يجعلك، مجازًا، أقوى شخص في العالم. فماذا لو تبناك الله؟! هذه هي كريستولوجيا التمجيد، حيث اعتقد المسيحيون الأوائل بأنه عند قيامة يسوع من بين الأموات، تم رفعه إلى السماء وصار كائنًا إلهيًا يستحق العبادة. وهكذا عبدوه.[27]

دفع وقت لاهوت يسوع إلى الوراء

في التفكير الكريستولوجي للكنيسة الأولى، دُفِع وقت لاهوت يسوع إلى الوراء بشكل متكرر. اعتقد المسيحيون الأوائل بأن يسوع قد قام في اليوم الثالث من موته، وفي تلك المرحلة بدأ الناس يؤمنون به كإله. لكن عندما تفكروا أكثر في الأمر، وتساءلوا، إن كان يسوع قد فعل كل هذه الأشياء العظيمة خلال حياته، ألم يكن وقتها ابن الله؟ وهكذا بدأ المسيحيون القول بأن تمجيد يسوع لم يكن عند قيامته. لقد كان عند معموديته، في بداية كهنوته. مرقس 1: 10-11 «وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ رَأَى السَّمَاوَاتِ قَدِ انْشَقَّتْ، وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلًا عَلَيْهِ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».[28] إنه يوم معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان. حينها أصبح يسوع ابن الله. ليس فقط عند قيامته، بل طوال فترة خدمته. فكر المسيحيون في الأمر أكثر. ربما لم يصبح يسوع ابن الله بعد معموديته. ربما كان دائمًا ابن الله. ربما كان ابن الله منذ ولادته. وهكذا بدأ المسيحيون بالكتابة عن معجزة ولادة يسوع. ونحصل على قصة ولادة يسوع من امرأة عذراء في متى ولوقا. هذه القصص غير موجودة في الإنجيل الأول، مرقس، أو في كتابات بولس. ظهرت لأول مرة في متى ولوقا. حيث حملت مريم بيسوع من الروح القدس. في إنجيل لوقا 1: 31-35 «وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ الْمَلاَكُ وَقَالَ لَها: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ».[29]

كريستولوجيا التجسد

كما نرى، لقد دُفِع وقت لاهوت المسيح إلى الوراء. بل وتم دفعه إلى الوراء أكثر، عندما بدأ المسيحيون القول بأن يسوع كان دائمًا ابن الله حتى قبل ولادته. ونفهَم ذلك من خلال الطريقة الثانية لفهم لاهوت المسيح، وهي كريستولوجيا التجسد.

علمنا أن كريستولوجيا التمجيد هي عندما ارتقى يسوع الإنسان لمستوى الألوهية، وبذلك فإن كريستولوجيا التجسد هي عندما يتجسد يسوع الإلهي في صورة إنسان. وكلمة تجسد في اليونانية القديمة تعني المجيء في جسد. ما حدث في الفكر المسيحي المبكر، وحتى قبل كتابة العهد الجديد، هو أن الناس بدأوا يعتقدون بأن يسوع كان دائمًا إلهًا. لقد كان إلهًا قبل أن يأتي إلى هذا العالم، ثم صار إنسانًا بنزوله إلى الأرض.

تتمثل كريستولوجيا بولس الرسول في الاعتقاد بأنه قبل أن يكون إنسانًا، كان يسوع كائنًا سماويًا، ملاكًا ربما. مرة أخرى، رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 6-7 «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ».[30] يُطلق على هذا المقطع اسم ترنيمة فيلبي أو قصيدة فيلبي. يكتب بولس إلى أهل فيلبي، ويخبرهم بأنهم بحاجة إلى العيش من أجل الآخرين وليس من أجل أنفسهم فقط، ويستخدم المسيح كمثال على ذلك. المسيح الذي بالرغم من أنه في صورة الله، لم يجرؤ على اعتبار نفسه مساوياً لله. عوضًا عن ذلك، فقد أفرغ نفسه، متخذًا صورة عبد. وتخلى عن صلاحياته ككائن إلهي، ليخدم الآخرين. ليكون عبدًا مثل الإنسان. بل وأكثر من ذلك، فقد مات مصلوبًا طاعة لإرادة الله. النصف الثاني من هذه الترنيمة هو ما يحدث في أعقاب موت يسوع. رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 2: 9-11 «لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ».[31] لأنه كان مطيعًا حتى الموت، لذلك رفعه الله. وهذا يعني، على الأرجح، أنه رفعه أكثر مما كان عليه من قبل عندما كان في صورة الله. أصبح يسوع أسمى من جميع الكائنات. الملائكة، الشياطين، والبشر، الجميع سينحني باسم يسوع. هكذا صار الآن، رب لمجد الآب. هذا مثير للاهتمام. سفر إشعياء 45: 22-23 «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ. بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، خَرَجَ مِنْ فَمِي الصِّدْقُ كَلِمَةٌ لاَ تَرْجعُ: إِنَّهُ لِي تَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ، يَحْلِفُ كُلُّ لِسَانٍ».[32]

في العهد القديم، يقول إله إسرائيل، خالق الكون، يهوه: لي وحدي تنحني كل ركبة ويحلف كل لسان. يستشهد بولس بهذا في رسالته لأهل فيلبي، لكن هذه المرة يكون الاعتراف ليسوع. لقد تم رفع يسوع إلى نفس مستوى الآب، الإله القدير الذي خلق الكون. هذه كريستولوجيا عالية المستوى. لكن يسوع لم يبدأ على قدم المساواة مع الله، ولم يرد المساواة مع الله. بدلًا من ذلك، أراد حياة خدمة، انتهت بصلبه ثم رُفع إلى مستوى الخالق نفسه.[33]

كريستولوجيا يوحنا

ثمة كريستولوجيا أعلى في المستوى نجدها في إنجيل يوحنا. وهو آخر إنجيل كُتِب. هناك عبارات في جميع أركان إنجيل يوحنا تشير إلى أن يسوع هو الله، وأن يسوع نفسه أدرك أنه هو الله. إن كريستولوجيا يوحنا هي أكثرهم تمجيدًا ليسوع في العهد الجديد.

يبدأ الإنجيل بأكثر الطرق الشعرية التي يمكن تخيلها. يوحنا 1: 1-3 «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ».[34] من كان هذه الكلمة؟ هناك شخص ما يسمى بالكلمة. إنه كائن حقيقي، كان عند الله وكان مع الله. هذا أمر معقد. يبدو وكأننا نسمع صدى العهد القديم. سفر التكوين 1: 1-3 «فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ».[35] فأول عمل من أعمال الخلق هو خلق الله للسماوات والأرض. وقال الله ليكن نور، فكان نور. قال الله لشيء كُن فكان. لقد خلق الله بالكلمة. أعتقد أن الطريقة التي يُصَوِّر بها الكاتب ذلك، هي أنه عندما يتكلم الله بكلمة، فإن الكلمة تكون مستقلة عن الله. مثلما تقول شيئًا لشخص ما، ويمكنه تفسير ما تقول بشكل مستقل عما تقصده. فالكلمة نفسها لها وجودها الخاص. وعندما قال الله ليكن نور، فقد قال كلمة لها وجودها المستقل. لكن بما أنها كلمة الله، فهي الله. الكلمة هي تجل الله الخارجي لنفسه. إذاً فهذه الكلمة هي الكيان المستقل الذي عند الله، وكذلك هي الله الذي خلق كل شيء. يوحنا 1: 14 «وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا». يوحنا 1: 17 «أَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا».[36]

وفقًا لإنجيل يوحنا، فإن يسوع المسيح هو الكلمة عندما صارت جسدًا. فهو لا يقول أن يسوع كان موجودًا قبل ولادته. لكن جاء يسوع إلى الوجود عندما صارت الكلمة إنسانًا. وقبل أن تصير الكلمة إنسانًا كانت كلمة الله. هذا الكيان الذي كان دائمًا مع الله لكنه في نفس الوقت مستقل عنه. وعندما أخذت هذه الكلمة جسدًا، صارت يسوع المسيح. لذا فإن يسوع المسيح هو تجسد لكلمة الله. هنا، المسيح ليس مجرد كائن سماوي كان مع الله لفترة من الوقت كما في كريستولوجيا بولس، بل هو الخالق نفسه. ونجد هذا في إنجيل يوحنا فقط، حيث أنه كُتِب في مرحلة لاحقة من التطور الكريستولوجي. أعتقد أن هذا أحد أكثر التطورات المدهشة في تاريخ فكر الجنس البشري. لقد تدرجنا من الرجل يسوع، النبي الرؤيوي الذي عُذِّب وصُلِب، إلى القول بأنه كان مع الله منذ الأبد. بل وأنه هو خالق هذا الكون.[37]

المعضلات الكريستولوجية واللاهوتية الناتجة

كان على المسيحيين الأوائل التعامل مع نوع من المعضلة عندما تعلق الأمر بالتفكير في ماهية المسيح. وهناك بُعدين لهذه المعضلة.

أولًا، لدينا مقاطع من العهد الجديد، كما رأينا، حيث يتم تعريف يسوع بوضوح على أنه الله، على الرغم من اختلاف الناس حول فهم طبيعة ألوهيته. وهناك مقاطع أخرى يُصَوَّر على أنه إنسان كامل. إذن من هو؟ هل هو بشر أم هو الله؟ ظن المسيحيون الأوائل أنه يجب أن يكون أحدهما أو الآخر. لا يمكن أن يكون كلاهما. وتفاقمت المعضلة بسبب حقيقة وجود مجموعات مسيحية مختلفة ترتكز على قناعات مختلفة. حيث قال بعضهم، في القرنين الثاني والثالث الميلادي، أن يسوع إنسان وليس إلهيًا على الإطلاق. وقال آخرون أن يسوع كائن إلهي وليس بشريًا على الإطلاق، فقط يبدو كإنسان. ومن انتهى بهم الأمر بالفوز في هذه النقاشات جادلوا بأن كلا الجانبين محقين فيما يؤكدانه لكنهما مخطئين فيما ينفيانه. إنه بشري مائة بالمائة وإلهي مائة بالمائة في الوقت ذاته. كيف ذلك؟ كيف يمكن أن يكون كلا الشيئين وماذا ينتج عن هذا؟

أما البعد الثاني لتلك المعضلة يتعلق بعلاقة المسيح بالله الآب وبطبيعة الله ذاته. إنها المعضلة اللاهوتية. حيث نجد مقاطع من الكتاب المقدس تنص صراحة على أن الله الآب، إله إسرائيل، الذي خلق العالم، هو الله الواحد الأحد. ولدينا أيضًا مقاطع أخرى تقول إن يسوع هو الله. ولتجاوز هذه المعضلة اللاهوتية، نجد بعض المسيحيين قد رفضوا ألوهية يسوع لأن الله واحد. وآخرون آمنوا بأن يسوع هو الله الآب. ولهذا تخرج وجهة النظر التي تعارض كلا الرأيين. والتي تقول إن يسوع هو الله، والله هو الله، وهو إله واحد. كيف هذا؟ هذه هي المعضلات التي واجهها المسيحيون الأوائل.

في البداية علينا التفريق بين بعض المصطلحات لما سيأتي. كلمة أرثوذكسي تأتي من كلمتين يونانيتين تعنيان الإيمان الصحيح. أما كلمة هيتروذكسي فتشير إلى أي معتقدات أخرى أو عقيدة أخرى غير الأرثوذكسية. لذا فإن الهيتروذكسية هي مرادف لكلمة هرطقة والتي تعني تعاليم خاطئة. لكن المشكلة مع مصطلحات مثل الأرثوذكسية والهيتروذكسية أو الأرثوذكسية والهرطقة هي مصداقية من يقرر ما هي التعاليم الصحيحة. حيث يعتقد كل منا أن معتقده هو المعتقد الصحيح، لأنه إذا اعتقدت أنه خطأ، فستؤمن بشيء آخر. لذلك عندما يستخدم المؤرخون هذين المصطلحين، الهيتروذكسية والأرثوذكسية، فإنهم لا يتحدثون عن صحة وجهة النظر، ميتافيزيقيًا، من عدمها. لكنهم يشيرون فقط إلى المجموعة التي انتهى بها الأمر بتحديد ما كان من المفترض على المسيحيين الإيمان به. وهم من أطلقوا على أنفسهم أرثوذكسيين. ويستخدم مصطلح هيتروذكسي للإشارة إلى وجهة نظر كانت تعتبر في وقت ما مضى أرثوذكسية، لكن انتهى بها الأمر لاحقًا إلى إدانتها واعتبارها هرطقة.[38]

حل هيتروذكسي للمعضلات: الشكلية ورفضها

بعد حوالي مائة عام من كتابة العهد الجديد، ظهرت النظرية الشكلية كحل للمعضلات التي واجهها المسيحيون الأوائل، على يد سابيليوس. وهو كاهن ليبي الجنسية، تعلّم في روما، ثم ذهب إلى مصر حيث بدأ يكتب في الشكلية. والشكلية مصطلح يستخدمه العلماء لتعريف وجهة نظر معينة لفهم هوية المسيح، والتي يمكن من خلالها أن نفهم كيف يمكن ليسوع أن يكون هو الله، ويكون الله هو الله، ويكون أيضًا الله واحد. فأنا، نفسي، وما أنا عليه، أقف في علاقات مختلفة في نفس الوقت. لا يوجد سوى واحد مني، لكن في علاقات مختلفة. أنا ابن لأبي، أنا أخ لأخي، وأب لأولادي. لذلك، في نفس الوقت، أنا ابن وأخ وأب. أنا نفس الشخص لكن الأمر يعتمد على من أتعامل معه. الله كذلك، هو الآب قبل التجسد، والابن في تجسده، والروح القدس في عطاياه. لا يوجد سوى إله واحد، لكن لديه ثلاثة أنماط للوجود. وهذا يعني أنه عندما كان المسيح على الأرض، كان هو الله، الآب، على الأرض. ترك السماء ليصبح المسيح، ثم مات مصلوبًا وصعد عائدًا إلى السماء. فالمسيح هو الآب والابن والروح القدس. وهكذا حافظت الشكلية على وحدانية الله، ولا تزال تسمح بوجود آب وابن وروح قدس. كان هناك الكثير من المسيحيين الذين صدقوا هذا في نهاية القرن الثاني. فقد كانت وجهة نظر شائعة. وأخبرنا معارضي هذا الرأي أن أسقف روما نفسه، ديونيسيوس، كان يؤمن بهذا الرأي. أسقف روما هو ما نسميه اليوم البابا. لكن، وجد عدد من اللاهوتيين المسيحيين أن وجهة النظر هذه مزعجة وغير مرضية. ولم يكن أي منهم أكثر ذكاءً وقوةً من ترتليان في معارضته للشكلية.

كان ترتليان مفكرًا مسيحيًا فذًا، عاش في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث الميلادي في مدينة قرطاج، شمال إفريقيا. كتب في الدفاع عن المسيحية، وفي الأخلاق، حيث كان أخلاقيًا صارمًا للغاية. وكتب ضد الهرطقات، التي كان من ضمنها الشكلية. فقد ابتكر تعبير باتريباسيانيزم لوصف هذا الرأي، ويعني حرفيًا الآب يعاني. بعبارة أخرى، إن الآب هو الذي عُذِّب وصُلِب. وهكذا كتب ترتليان هجومًا لاذعًا ضد الشكلية، حيث قام بعرض مجموعة من الحجج المثيرة للاهتمام. كانت إحداها هي إنه من المستحيل أن يكون لديك الشيء وأن تكون ذات الشيء في نفس الوقت. كما لو كنت متزوجًا، فمن المعقول أن يكون لديك زوجة، لكن لا يمكنك أن تكون أنت أيضًا الزوجة. لذلك إذا كان لله ابن، فلا يمكن أن يكون الله هو أيضًا الابن. كما أشار ترتليان إلى فقرات من الكتاب المقدس تدعم فكرة أن الآب يتحدث إلى الابن. مرقس 1: 10-11 «وَلِلْوَقْتِ وَهُوَ صَاعِدٌ مِنَ الْمَاءِ رَأَى السَّمَاوَاتِ قَدِ انْشَقَّتْ، وَالرُّوحَ مِثْلَ حَمَامَةٍ نَازِلًا عَلَيْهِ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ: أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ».[39] ويضيف، إذا كنت تعتقد أن الشكلية صحيحة، أرني في الكتاب المقدس ما يقول: أنا ابني، لقد ولدت نفسي اليوم. نتيجة هذا، توصل ترتليان إلى طريقة لوصف علاقة المسيح بالله، وألقى بالروح القدس ليصبحوا ثلاثة كائنات، كلها إلهية، مستقلة ومتميزة عن بعضها البعض، ومع ذلك لا يوجد سوى إله واحد. وابتكر ترتليان مصطلح الثالوث. فهو أول كاتب استخدم هذا المصطلح، والذي أصبح مصطلحًا مهمًا جدًا في الخطاب المسيحي.[40]

القرن الرابع: الآريوسية ومجمع نيقية

بعد حوالي مائة عام من ترتليان، كان لا يزال اللاهوتيون المسيحيين يتناقشون حول هذا النوع من القضايا مرة تلو الأخرى، حتى وصلت الأمور إلى ذروتها بالفعل في بداية القرن الرابع الميلادي، حيث نمت المسيحية أكثر في هذه المرحلة.

في عام 300م، ظهر أحد القساوسة يدعى أريوس بكنيسة الإسكندرية بمصر، والتي كانت واحدة من أكبر الكنائس وأكثرها نفوذًا في العالم المسيحي وكانت ذات توجه فكري مميز. كان أريوس يتصارع مع إشكالية علاقة المسيح بالله، حيث رأى أنه لا يمكن ليسوع أن يكون مثل الله الآب، فهو كائن إلهي منفصل. لكن بأي معنى يكون يسوع إلهًا؟ روّج أريوس لفكرة أن المسيح كان إلهًا تابعًا لله الآب. إنه في مرتبة أدنى من الآب، الذي كان موجودًا قبل كل شيء. لقد خلقنا، وخلق الابن الذي جاء إلى الوجود في وقت ما في الأبدية. كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودًا. وعندما خلق الله ابنه، خلق الكون من خلاله. هكذا خلق ابن الله الكون كما جاء في إنجيل يوحنا. في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، والكلمة هو الله، وكل الأشياء من خلاله كانت. لذا فإن ابن الله هو الذي خلق الكون، لكنه لا يتساوى مع الله الآب. لا يمكن لأحد أن يكون مساويًا لله الآب. لا يمكن أن يكون لدينا إلهان قديران، لأنه بهذه الطريقة لا يمكن لأي منهما أن يكون قديرًا. لذلك فإن الابن، وفقًا لأريوس، هو كائن إلهي مخلوق. خُلِق إلهًا، لكنه لا يساوي الله الآب.

لكن، لم يكن ألكسندروس، أسقف الإسكندرية، والذي كان شخصية قوية جدًا في المسيحية في ذلك الوقت، سعيدًا بحل أريوس. اعتقد ألكسندروس بأن أريوس قد قلل من قيمة وأهمية ابن الله. حيث رأى ألكسندروس أن ابن الله كان دائمًا موجودًا، كما كان الآب دائمًا موجودًا، ولم يكن إلهًا تابعًا لله الآب. فقد كان مساويًا له في القوة والعظمة من جميع النواحي. قد يكون لديهما وظائف مختلفة، لكنهما متساويان، ومتساويان أيضًا مع الروح القدس. الثلاثة في واحد، ومع ذلك كل منهم مستقل عن الآخر. ونتيجة لذلك، حدث ثوران كبير داخل الدوائر المسيحية. هل الابن تابع للآب أم أنه متساوٍ معه؟ هل هناك وقت جاء فيه الابن إلى الوجود أم أنه كان دائمًا موجودًا؟ هذه هي النقاشات التي نتج عنها مجمع نيقية عام 325م.

كثير من الناس في وقتنا هذا لديهم فهم خاطئ عن ما حدث في مجمع نيقية. حيث يعتقد معظم الناس أنه تم وضع قائمة الكتب التي تحتوي عليها شريعة العهد الجديد في مجمع نيقية. لكنها في الحقيقة لم تكن مشكلة وقتها. كان أثناسيوس هو أول من تقدم بالقائمة المكونة من 27 كتابًا للعهد الجديد، والذي كان واحدًا من الحاضرين في مجمع نيقية. لكنه لم يأت بهذه القائمة إلا بعد 40 عامًا أخرى من انعقاد المجمع. الأمر الآخر، هو اعتقاد البعض بأنه كان من المفترض أن يُقَرر في المجمع ما إذا كان المسيح هو ابن الله أم لا، وقد أجروا تصويتًا وكانت نتيجته متقاربة جدًا. بالكاد نجح يسوع في أن يكون ابن الله. لكن الحقيقة هي أن جميع من كانوا في مجمع نيقية قد اتفقوا مسبقًا على أن يسوع هو ابن الله. لقد كان السؤال الذي يشغل بالهم آنذاك؛ هل يسوع هو ابن الله الذي خلقه الآب في وقت ما ليخلق العالم، وبالتالي هو إله تابع؟ أم إنه ابن الله الذي كان موجودًا منذ الأبد والمساوِ لله الآب؟

لقد اجتمع أكثر من 300 أسقف من جميع أنحاء العالم المسيحي لهذا المجمع. هذا هو المجمع الأول من سبعة مجامع مسكونية عُقِدت في بدايات المسيحية. اتخذت هذه المجامع السبعة قرارات حول العديد من المسائل اللاهوتية والدنيوية للمسيحية. وعُقِد مجمع نيقية بناءً على تعليمات من قبل الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول، الذي اعتنق المسيحية في عام 312م. وبعد 13 عامًا دعا هذا المجمع لأنه أراد حل تلك النزاعات التي تسببت في انقسام الكنيسة، والتي قد تتسبب في انقسام الإمبراطورية أيضًا. فقد كان من الأسباب الرئيسية لاعتناقه المسيحية هو ما يمكن أن توفره الديانة من وحدة ثقافية لإمبراطوريته. لكنه لم يلقِ يومًا بالًا للصراع اللاهوتي بين القس أريوس وأسقف الإسكندرية ألكسندروس حول طبيعة يسوع المسيح، ويظهر ذلك في رسالة الإمبراطور إليهما إذ نعت الخلاف بينهما بأنه تافه وسوقي وأحمق ووضيع. وطالبهما أن يحتفظا بآرائهما في باطنهما وألا يشغلا بها الناس. إذا كانت المسيحية هي الموحِّد للإمبراطورية، فيجب أن تكون متحدة. ولذا كان حل هذه المشكلة مهمًا لقسطنطين.

أما في مدينة نيقية، تناقش الأساقفة وأخذوا تصويتًا، لكن النتيجة لم تكن متقاربة. اثنان أو ثلاثة رجال فقط رفضوا التوقيع على البيان الذي نتج عن المجمع، منهم أريوس، وربح الجانب الذي دعم ألكسندروس. وقد تقرر بناءً على ذلك أن المسيح ليس إلهًا تابعًا أو أقل قوة من الله الآب، ولم يظهر إلى الوجود في وقت ما في الأبدية. بل إن المسيح متساوٍ تمامًا مع الله، ولديه نفس قوة وعظمة الله الآب. كان الابن موجودًا دائمًا، فلم يكن هناك وقت لم يكن فيه موجود. حيث أنه إذا قلنا إن شيئًا ما مثالي، فلن يتغير. لأنه إذا كان مثاليًا وتغير، فإنه يتغير إما إلى الأفضل أو إلى الأسوأ. فإذا تغير إلى الأفضل، فهذا يعني أنه لم يكن جيدًا كفاية قبل ذلك. وإذا تغير إلى الأسوأ، فلن يعد مثاليًا بالطبع. لذا، إذا قلنا إن الله خلق المسيح الابن في وقت ما في الأبدية، وإن الله أصبح الآب عند هذه النقطة، فهذا يعني أنه تغير، ولا يمكن للمثالي التغير إذا كان مثاليًا. لذلك، كان المسيح موجودًا دائمًا وكان الله دائمًا هو الآب.

كانت هذه لحظة مهمة جدًا في تاريخ اللاهوت المسيحي. وتم الاعتراف بالروح القدس كجزء من الثالوث. لكنه لم يتم الحديث عن وضع الروح القدس كثيرًا في نيقية، حيث تعامل اللاهوتيون مع تداعيات ما حدث في مجمع نيقية في العقود اللاحقة. إذن، لدينا الآن ثلاثة أشخاص مختلفين عن بعضهم البعض، كلهم متساوين، لكن هناك إله واحد فقط. أي أن الله واحد في ثلاثة أقانيم إلهية. وكلمة أقنوم مشتقة من اللغة السريانية حيث لا يوجد نظير لها في العربية وتحمل عدة معانٍ منها شخص، وطبيعة، وذات، وكيان، وماهية. والأقانيم الثلاثة مستقلة لكنها واحدة في المادة والجوهر والطبيعة. في هذا السياق فإن الطبيعة هي 'ما' يكونه الشخص، في حين أن الأقنوم هو 'من' يكونه الشخص. هذه هي عقيدة الثالوث في المسيحية.

إذا كنت تحاول التفكير في الأمر بشكل منطقي، فلا يوجد حل منطقي لذلك. فمن المفترض أن يكون لغزًا. كل مثال يمكنك استخدامه يمثل إشكالية، لأنه لا يوجد شيء مماثل لما تمثله العقيدة. يقول بعض الناس إنها مثل طبيعة الماء. يمكن أن يكون جليدًا، ويمكن أن يكون ماء، ويمكن أن يكون بخارًا، لكنها طبيعة واحدة، ذرتي هيدروجين مرتبطتان بذرة أكسجين. لكن هذا يمثل الشكلية. حيث لا يكون الجليد والماء والبخار في نفس الوقت. فوفقًا لعقيدة الثالوث، فإن الآب والابن والروح القدس موجودين جميعًا في نفس الوقت، في ثلاثة أقانيم مستقلة، لكن هناك إله واحد فقط. لقد أصر المسيحيون على أنهم توحيديون. هذا يتجاوز ما نجده في العهد الجديد وتأكيداته من هو المسيح. وهو أبعد من أي شيء جاء في تعاليم يسوع التاريخي، لدرجة أنك تتساءل هل هذا هو نفس الدين؟ هل هو نفس الدين الذي كان يكرز به يسوع؟ لقد كان يكرز باقتراب الدينونة عندما يتدخل الله لتدمير قوى الشر وإقامة مملكته على الأرض وتعيين يسوع ملكًا لهذه المملكة. الآن تنص التعاليم بأن يسوع كان دائمًا معادلاً لله الآب. هذا مختلف تمامًا.[41]

يسوع كإله: الآثار المتبقية

كان الإمبراطور الروماني، في أيام الوثنية، هو أيضًا رئيس الكهنة لجميع الديانات الرومانية، وكان يحمل لقب بونتيفكس ماكسيموس أي كبير الكهنة. اعتقد الرومان أن قادة الإمبراطورية يجب أن يُرضوا الآلهة، حتى تعتني الآلهة بهم وبالإمبراطورية. ولذلك اتخذت الإمبراطورية دائمًا موقفًا قويًا تجاه الدين. فلم تكن لديهم فكرة فصل الكنيسة عن الدولة. وبالتالي فإن الدولة هي من ترعى عبادة الآلهة، لأن الآلهة هي من جعلتها دولة عظيمة. وعندما تحول قسطنطين إلى المسيحية، احتفظ بهذا الفكر. مما يعني أنه يستطيع التدخل في شؤون الكنيسة كيفما يشاء، على الرغم من أنه لم يكن لاهوتيًا. وكذلك كان باستطاعته الترويج لوجهات النظر التي يؤمن بها. فإذا كانت المسيحية صحيحة، فهذا يعني أن جميع الديانات الأخرى باطلة. وكانت النتيجة أن تحولت الإمبراطورية الرومانية من اضطهاد المسيحيين إلى تحريم الوثنية. وبنهاية القرن الرابع الميلادي، أصبح من غير القانوني التضحية للآلهة الوثنية. واتُهم اليهود بأنهم المسؤولون عن موت يسوع المسيح. بل وساءت الأمور أكثر بمجرد أن اعتقد المسيحيون بأن يسوع هو الله. فهذا يعني أن اليهود قد قتلوا الله الآب، إلههم. تاريخيًا، هذا ليس صحيحًا. لم يقتل اليهود يسوع بل قتله الرومان. فقد تم صلبه بأمر من الحاكم الروماني بيلاطس البنطي، ونفذه الجنود الرومان. وفي النهاية، بالطبع، سيطرت المسيحية على الإمبراطورية بأكملها.

بمجرد وصولنا إلى النقطة التي يقولون فيها إن المسيح متساوٍ تمامًا مع الله وأنه كان موجود منذ الأبد، قد تفترض بأنه لا يوجد ما يمكن التحدث عنه أكثر. لكن، في الواقع، بدأت المناقشات تتكثف. أصبحت أكثر حدة بعد مجمع نيقية. فكلما صغر حجم القضايا، ازدادت حدتها وازداد التوتر. كانت هناك مناقشات لاهوتية ضخمة في القرنين الرابع والخامس الميلادي. ومن المثير للاهتمام، أنه بعد موت الإمبراطور قسطنطين عاد معظم الناس إلى مفهوم أريوس لكرستولوجيا التبني. بدأ العالم المسيحي بقبول آراء أريوس مرة أخرى، حيث تخطى عدد أتباعه باقي فئات المسيحيين. لذلك أُثيرت المزيد من المناقشات، ثم المزيد من المجامع التي اتخذت المزيد من القرارات. وما نحصل عليه في النهاية هو تاريخ كامل من العلاقة بين الأرثوذكسية والهرطقة، والتي تستمر معنا حتى اليوم. حيث كانت ألوهية يسوع دائمًا محور هذه النقاشات.[42]

ما نعتقد فيه عن المسيحية اليوم لم يظهر على الفور بظهور يسوع. فالمسيحية في كثير من النواحي ليست دين يسوع بقدر ما هي دين عن يسوع. وهذا الدين عن يسوع تغير وتعدل وتحول على مر العقود. كان يسوع يهوديًا من أرياف الجليل، وربما لم يكن لديه أية نية لبدء دين جديد. فقد كان يبشر باليهودية. بتعبير أدق، الفهم الصحيح لليهودية كما رآه. لكن أصبحت المسيحية دينًا لغير اليهود. وتحول المسيح من مجرد نبي رؤيوي يتجول في الجليل إلى أن أصبح الله الآب نفسه. إنه تحول استثنائي!


[1] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[2] Ibid

[3] Ehrman D. Bart. Jesus, Interrupted: Revealing the Hidden Contradictions in the Bible (And Why We Don’t Know About Them), USA: HarperCollins, 2010.

[4] Ibid

[5] Ehrman, Bart. The New Testament: A Historical Introduction to the Early Christian Writings. New York: Oxford University Press, 2003.

[6] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[7] Ehrman D. Bart. Jesus: Apocalyptic Prophet of the New Millennium, USA: Oxford University Press, 1999.

[8] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[9] Ibid

[10] Ibid

[11] Ibid

[12] Ehrman D. Bart. Jesus: Apocalyptic Prophet of the New Millennium, USA: Oxford University Press, 1999.

[13] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[14] Ibid

[15] Ehrman D. Bart. Jesus: Apocalyptic Prophet of the New Millennium, USA: Oxford University Press, 1999.

[16] Livy's Ab Urbe Condita,  Plutarch's Life of Romulus

[17] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[18] Ibid

[19] Ehrman D. Bart. How Jesus Became God: The Exaltation of a Jewish Preacher from Galilee, USA: HarperOne, Adobe Digital Editions version, EPUB file, 2014.

[20] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[21] Ehrman D. Bart. How Jesus Became God: The Exaltation of a Jewish Preacher from Galilee, USA: HarperOne, Adobe Digital Editions version, EPUB file, 2014.

[22] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[23] Ehrman D. Bart. How Jesus Became God: The Exaltation of a Jewish Preacher from Galilee, USA: HarperOne, Adobe Digital Editions version, EPUB file, 2014.

[24] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[25] Ibid

[26] Ibid

[27] Dunn, James D. G. Christology in the making: a New Testament inquiry into the origins of the doctrine of the incarnation. Philadelphia, PA: Westminster Press, 1980.

[28] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[29] Ibid

[30] Ibid

[31] Ibid

[32] Ibid

[33] Dunn, James D. G. Christology in the making: a New Testament inquiry into the origins of the doctrine of the incarnation. Philadelphia, PA: Westminster Press, 1980.

[34] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[35] Ibid

[36] Ibid

[37] Dunn, James D. G. Christology in the making: a New Testament inquiry into the origins of the doctrine of the incarnation. Philadelphia, PA: Westminster Press, 1980.

[38] Ehrman D. Bart. Lost Christianities: The Battles for Scripture and the Faiths We Never Knew, USA: Oxford University Press, 2005.

[39] الكتاب المقدس باللغة العربية، ترجمة فان دايك

[40] Ehrman D. Bart. Lost Christianities: The Battles for Scripture and the Faiths We Never Knew, USA: Oxford University Press, 2005.

[41] Ehrman, Bart, Truth and Fiction in the Da Vinci Code, Oxford University Press, 2004.

[42] Ehrman D. Bart. Lost Christianities: The Battles for Scripture and the Faiths We Never Knew, USA: Oxford University Press, 2005.


* المقال خاص بـ Boring Books

** يحتفظ الكاتب بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بمقاله دون إذن منه.