يعد منظور كولبرت مثيرًا للدهشة ومخيفًا في آن، لكنه أخاذ تمامًا كما تتوقع من كتاب يرتكز على فرضية «أننا جميعًا هالكون».

الانقراض السادس لإليزابيث كولبرت (2014)

مقال روبرت مكروم

نُشر في الجارديان، فبراير 2016

ترجمة: أحمد فتحي


إليزابيث كولبرت، عن الجارديان

يعرف الحيوان البشري أنه يُولد ليشيخ ويموت. تعتبر هذه المعرفة، جنبًا إلى اللغة، الشيء الذي يفصلنا عن جميع الأنواع الأخرى. برغم ذلك، وإلى القرن الثامن عشر، لم يفترض أحد، حتى أرسطو الذي تكهن بشأن معظم الأشياء، إمكانية حدوث الانقراض.

هذا أكثر إثارة للدهشة لأن «نهاية العالم» ثيمة متكررة وذات مسمى رنان  -علم الأُخرَويّات[1]- تحولت في الثقافة الشعبية إلى سيناريوهات عديدة عن يوم القيامة، من الاحتباس الحراري إلى الحرب العالمية الثالثة. يواجه الآن مواطنو القرن الحادي والعشرين قائمة متكاثرة من الكوارث المستقبلية المحتملة.

 إن كتاب «الانقراض السادس: تاريخ غير طبيعي» لإليزابيث كولبرت تعبير ذكي للغاية عن ذلك النوع الأدبي بالإضافة إلى كونه ممتعًا وأُنجز بعناية فائقة. كتابها الذي يلي تقريرها عن الاحتباس الحراري «ملاحظات ميدانية من كارثة»، يملك مقومات عمل كلاسيكي معاصر بالفعل ومكان ممتاز لبداية هذه السلسلة الجديدة التي تضم عناوين بارزة للأدب غير القصصي في اللغة الإنجليزية.

في الصفحة الافتتاحية من تحقيقها حول مستقبل كوكبنا، تقتبس كولبرت عالم الأحياء الكبير إي. أو. ويلسون: «لو ثمة خطر على مسار الإنسانية، فإنه لا يكمن في بقاء نوعنا بقدر ما يتعلق بتحقق المفارقة النهائية للتطور العضوي: وهي أنه في لحظة توصل الحياة لفهم ذاتها من خلال عقل الإنسان، تكون قد حكمت بالهلاك على أجمل مخلوقاتها». هذه الملاحظة المُنذرة تهيئ أجواء الفصول الثلاثة عشر التالية، تقرير عصري عاجل عن «الانقراض السادس».

يعد منظور كولبرت مثيرًا للدهشة ومخيفًا في آن، لكنه أخاذ تمامًا كما تتوقع من كتاب يرتكز على فرضية «أننا جميعًا هالكون». إنها تخبرنا أنه خلال النصف مليار سنة الماضية، كانت هناك خمسة انقراضات جماعية على الأرض، عندما «مر الكوكب بتغير مُشوِّه للغاية بحيث انهار تنوع الحياة».

تشير كولبرت إلى أننا نميل إلى تذكر تاريخ هذه الأحداث الكارثية فقط عندما تدرك البشرية أنها على وشك أن تتسبب في حدث كارثي آخر. متيقنة تمامًا، تجد أنه في قرن ما بعد الألفية الحالي، يرصد العلماء حول العالم الانقراض الجماعي القادم، ربما أكبر دمار منذ أن محا كويكب الديناصورات. مع هذا الاختلاف: الجائحة الوشيكة... هي نحن.

تستكشف كولبرت، الصحفية في النيويوركر، في ثلاثة عشر فصول رمزية، سُردت ببراعة، إمكانية هلاكنا الوشيك من خلال حياة، على سبيل المثال، الضفدع الذهبي البنمي ووحيد القرن السومطري وطائر العسل المتسلق ذي الوجه الأسود في ماوي، «أجمل طائر في العالم».

جانب من اهتمام كولبرت هو تثقيف القارئ العصري بشأن تاريخ الانقراض الجماعي. في حين أن هذا التصور، كما تقول، «أول فكرة علمية يضطر الأطفال أن يواجهوها» وهم يلعبون بدمى الديناصورات. ترشدنا كولبرت، في الواقع، إلى أنها فكرة حديثة العهد نسبيًا، إذ تعود إلى عصر التنوير الفرنسي.

حتى تلك اللحظة في التراث الفكري الغربي لم يرجح أحد ولا حتى أرسطو (في تاريخه ذي العشرة مجلدات عن الكائنات) احتمالية أن يكون للحيوانات ماضٍ.

لاحقًا، في العصر الروماني، تضمن التاريخ الطبيعي لـ بلينيوس[2] أوصافًا لحيوانات حقيقية أو خرافية، ولكن ليس منها ما هو منقرض. كلمة "حفرية" كانت تستخدم لوصف أي شيء استُخرج من الأرض مثل كلمة «وقود حفري». حتى كارل لينيوس[3] الذي ابتكر نظامه في التسمية الثنائية خلال منتصف القرن الثامن عشر، صنَّف نوعًا واحدًا من الحيوانات، تلك التي توجد.

كان اكتشاف بعض عظام الماستودون[4] الأمريكي فيما يعرف بولاية أوهايو الآن، أثناء بدايات القرن الثامن عشر- نتيجة ليست مقصودة للاستكشاف الفرنسي الاستعماري – هو ما ألهم جورج كوفييه لاحقًا، عالم التشريح في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، أن يطرح السؤال الأساسي: ماذا كانت تلك الأرض البدائية؟ وأي ثورة استطاعت القضاء عليها؟

احتفت فرنسا الثورية بحقوق الإنسان. لم يكن كوفييه ليدرك أبدًا الحقيقة بشأن بعض الانقراضات اللاحقة: أن الإنسان العاقل هو المشكلة، وليس الحل. أثناء عرضها للكارثة التالية المحدّقة بنا تفصح كولبرت عن نتائج تحقيقاتها بولع صارم: «ثلث جميع الشعاب التي تبني الحواجز المرجانية، وثلث جميع رخويات المياه العذبة، وثلث أسماك القرش والشفنينيات، وربع كافة الثدييات، وخُمس الزواحف، وسدس الطيور بأسرها تتجه نحو الاندثار»، هذا ما تعلنه خلال رحلتها عبر عالمنا الطبيعي ودماره الذي تسبب فيه الإنسان. إدانة كولبرت للإنسانية عديمة الرحمة وآسرة.

«تحدث الخسائر في كل الأنحاء: في جنوب المحيط الهادئ، في شمال المحيط الأطلسي، في القطب الشمالي والساحل ، في البحيرات والجزر، على قمم الجبال والوديان».

سيعجز قراء الانقراض السادس عن أن يتجنبوا استنتاج أننا جميعًا نجد أنفسنا بالفعل على شفا كارثة كبيرة، العامل المتورّط فيها ليس جمادًا (مثل كويكب) ولا قوة جيوفيزيائية (مثل جائحة الاحتباس الحراري الشديدة التي حدثت منذ 250 مليون سنة) ولكن مخلوق واعٍ: نحن. ربما تمتع البشر بنجاح باهر على الأرض ولكننا فعلنا ذلك على حساب كل الأنواع الأخرى تقريبًا. نحن «جيران من الجحيم» كما يقول روبن ماكي من صحيفة الأوبزرفر.

ينتهي الانقراض السادس في غرفة بلا نوافذ في معهد أبحاث حماية البيئة بكاليفورنيا الذي يعرف بالحديقة المجمدة، والذي يضم أكبر مجموعة فصائل محفوظة على الجليد في العالم. تشير كولبرت إليه باعتباره ربما الخيط الرفيع الذي قد تعتمد عليه الحياة على الأرض في المستقبل. من يدرى؟ تؤكد رسالتها الأخيرة باقتباس من عالم البيئة بستانفورد بول آر. إيرليك «بدفعها بقية الأنواع نحو الانقراض، البشرية منهمكة في قطع الغصن الذي تستقر عليه».

لقد تم تحذيرنا.

جملة بارزة

«سوف يستمر الانقراض السادس في تحديد مسار الحياة زمن طويل بعد أن يكون كل شيء كتبه البشر ورسموه وبنوه قد أحيل إلى غبار وتكون قد ورثت الأرض– أو لم ترث- جرذانًا عملاقة».


[1] الإسخاتولوجيا Eschatology أو علم الأخرويات هو جزء من اللاهوت يهتم بالأحداث النهائية للتاريخ، أو المصير النهائي للبشرية.

[2] بلينيوس الأكبر كان كاتبًا وعالم تاريخ طبيعي وفيلسوفًا في العصر الروماني، اشتهر بموسوعته عن التاريخ الطبيعي Naturalis Historia

[3] كارل لينيوس عالم نباتات سويدي الجنسية. هو رائد علم التصنيف الحديث. ألف كتاب «نظام الطبيعة» (Systema Naturae) الذي وضع فيه أسس التصنيف العلمي الحديث؛ فهو أول من وضع نظام التسمية الثنائية.

[4] الماستودون حيوان منقرض يشبه الفيل


* الترجمة خاصة بـ Boring Books

** يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمتها دون إذن منها