حوار: تيم مارتن
ترجمة: أمير زكى
مايو 2011
***
"دعنى أذكرك بشىء." يقول الصوت الحاد الرسمى على التليفون من تكساس، حيث يترك الكاتب المسرحى إدوارد أولبى ساعة للاتصالات قبل أن يبدأ يومه فى التدريس. "ربما لا تكون أنت بحاجة للتذكرة، لكن هناك العديد من الناس بحاجة إلى ذلك. الكاتب المسرحى أو أى فنان مبدع آخر هو عمله، السيرة الذاتية قد تكون مربكة، أو مجرد تبسيط له، أما العمل فهو ماهية الشخص."
هذا ليس أمرا مبشرا بالنسبة للحوار، لكن فيما يتعلق بالرجل الذى كتب بعضا من أكثر مسرحيات القرن العشرين مهارة ونقدا فالأمر لن يكون سهلا. هو لا يزال معروفا غالبا بعمله الأساسى الكئيب الجدلى (من يخاف فرجينيا وولف؟)، وفى عمر الثالثة والثمانين يتعامل مع العالم ومع عمله بطريقة يحسده عليها الكتاب الذين فى نصف عمره.
هو يخرج أعماله على المسرح بانتظام، وهو مستمر فى الكتابة، عمله الأخير كان إضافة مسرحية لعمله الأول (قصة حديقة الحيوان) الذى عرض لأول مرة عام 1959، وهو يقضى كل ربيع فى التدريس للكتاب المسرحيين الشبان فى جامعة هيوستن. يقول: "أحاول أن أذكرهم أنهم لو دققوا فى تاريخ المسرح، فسيجدون أنه محاولة مستمرة لتغيير العالم."
نحن نتكلم لأن مسرح ألميدا فى لندن سيقيم الأسبوع المقبل إعادة إحياء لمسرحية (التوازن الدقيق) عمل أولبى اللامع واللاذع، والذى ينتمى لنوعية كوميديا غرفة التسلية.
كتبت عام 1966، بعد أربع سنوات من النجاح الساحق لمسرحية أولبى (من يخاف فرجينيا وولف؟)، تدور المسرحية حول نهاية أسبوع مملتئة بالسهر والسكر، فى بيت أجنس وتوبياس الثريان اللذان يعيشان فى الضواحى.
وبينما يستضيفان شقيقة آجنس مدمنة الخمر، وابنتهما المضطربة التى طلقت أكثر من مرة، وصديقان يظهران وهما يدعيان (بالغرابة الصادمة الكلاسيكية عند أولبى) أنهما مجبران على ترك منزلهما بسبب خوف كبير لا يستطيعان تحديده، يسقط القناع المدينى لزواجهما ليكشف التاريخ الحقيقى لعلاقتهما الزائفة وخيانتهما وبؤسهما.
مثل معظم مسرحيات أولبى، تكون كوميديا الأخلاق السيئة متعة للممثل. موسيقية الحوار متصارعة ومتألقة فى العرض، والنص يتضمن الخلط بين الواقعية والاصطناع، ممتلئا بالذرى اللاذعة والتعليقات الخبيثة والتبدلات النارية السريعة.
هذا الأداء المسرحى المفرط هو أحد الاتهامات التى وجهت إلى أولبى عندما تراجع الاهتمام العام به فى السبعينيات والثمانينيات، ولكن هذا الأداء هو ما يجعل الليلة ممتعة وممتلئة بالمهارة.
وكما يؤكد فمن الضرورى فى المسرح "أن يكون الحوار الدرامى أكثر واقعية من الحياة اليومية." يقول : "وهذا سيبدو وكأنه مصطنع. سجل حوارا لمدة ساعة مع أصدقائك، واستأجر ممثلين ليمثلونه على المسرح، هل تعرف ما الذى سيقوله الجمهور؟ لا أحد يتكلم هكذا."
"أنا أقول لطلابى إن كنتم تريدون معرفة شىء عن بناء المسرحية فاستمعوا لافتتاحيات وفوجات باخ. أنا اكتشفت الموسيقى الكلاسيكية وأنا فى الثامنة.. التاسعة.. العاشرة من عمرى وأعتقد أننى تعلمت شيئا عن طبيعة البناء الدرامى من طبيعة الموسيقى التى كنت أستمع إليها، ربما أعتبر نفسى – لنصف الوقت – مؤلفا موسيقيا."
الكثير من الكلام كتب عن علاقة مسرحيات أولبى بنشأته. بعد ميلاده بوقت قصير قام بتبنيه المليونير ريد أولبى وريث امبراطورية الفودفيل بنيويورك، مع زوجته سيدة المجتمع. يقول عن هذه الطفولة المميزة إنها شىء تمنى أن يهرب منه، ولكنه مع ذلك يزدرى البديهية النقدية التى تقول إن التعاسة هى التى دفعته للكتابة.
يقول: "عشت حياة سعيدة جدا، لم أشعر أبدا بأننى أنتمى لتلك البيئة، لذلك لم أتأثر بها، كنت أقول مَن هؤلاء الناس، وما الذى سيفعلونه معى؟ لقد نشأت رغما عن هذا. نشأتى مع هؤلاء الناس لم تحولنى إلى يمينى متعصب، والنظر إليهم بموضوعية جعلنى أزدرى اليمين المتعصب."
هو لا يزال محسوبا كمضاد للجمهوريين، "أعتقد أننا فى أزمة عظيمة فى هذه البلد، أخلاقيا وسياسيا وفكريا، وأنا قلق بشدة من ذلك." وهو يقول إن بعضا من غضبه السياسى وجد طريقه إلى مسرحه.
"(التوازن الدقيق) لها علاقة بهذه الطبقة، والبناء السياسى والاجتماعى الذى نشأت وسطه، وتركته فور ما استطعت". كان فى أواخر مراهقته عندما ترك بيت أسرته، بعدما طُرد أكثر من مرة من المدارس الغالية وبدأ حياته الفنية فى جرينتش فيليدج بنيويورك.
"ولكنها أيضا تدور مثل كل مسرحياتى، عن أناس يكذبون على أنفسهم، وعن من هم، وكيف يرون أنفسهم، نعم، هذا الأمر بشكل عام؛ عدم قدرتنا على أن نكون موضوعيين تجاه أنفسنا."
سألته هل يستطيع المرء أن يكتب مسرحية من منطلق السخرية التامة؟ "أنا لا أطلق على ذلك سخرية؟ أنا أقول عليه موضوعية". يصمت.. "أنا لا أبدأ بفرضية وأحاول دفع الشخصيات لملائمتها.. لا، أنا أكتبهم لأكتشف لماذا أكتبهم". يصمت مرة أخرى.. "لتكشف لنفسك القرارات التى اتخذتها بالفعل".
أولبى تصدر الأخبار مرة أخرى عندما حصل على ميدالية مكدويل، وهى جائزة عن الإنجاز الحياتى تقدمها أقدم مستعمرة للفنون فى أمريكا. الحاصلون السابقون على الجائزة يضمون فيليب روث، نورمان ميلر، جون ريديون، روبرت فروست، وماريان مور، مما يجعلنى أستطيع أن أخبره أنها جائزة بالغة الرقى.
عاد بجسده مبتسما وقال: "هل هى كذلك؟.. أنا لم أهتم بذلك، أنا سعيد بالحصول عليها، ولكنى لست مهتما إن كانت أفضل من الجوائز الأخرى التى حصلت عليها. إنها منحت فقط لكاتبين مسرحيين فى تاريخها، وهذا أدهشنى لأنه تجاهل محبط، ولكنها قضيتهم. هم أعطوها لثورنتن وايلدر الذى كان واحدا من أفضل الكتاب المسرحيين الأمريكان على الإطلاق، وأعطوها لليليان هيلمان التى كانت بشعة، وبالتالى أنا لا أعرف موضعى وسط هذا".
وايلدر كان له تأثيرا على أولبى الشاب: "عرضت عليه أشعارى ونصحنى أن أكتب مسرحيات. لا أعتقد أنه رأى فى أشعارى كاتبا مسرحيا واعدا، أظنه كان يحاول أن ينقذ الشعر منى."
ولكنه كان صارما حين ناقشته عن الفترة التى لم تلائم أعماله الموضة السائدة: "هذا كان بسبب أننى لم أكتب (من يخاف فرجينيا وولف) مرة أخرى، ولكن هناك شىء واحد يقال عن هذا الأمر.. أنا أنظر لهذه المسرحيات التى كتبت فى هذه الفترة وأجدها مثيرة للاهتمام بأشكالها المختلفة، مثل أى شىء كتبته من قبل."
ولكن فى اعتقاده لماذا حدث ذلك؟ "أنا لا أعرف.. الشىء الوحيد الذى يجب الاهتمام به هو إن كنت ما زلت أكتب بذكاء وبشكل جيد ومثير للاهتمام، وهل كتاباتى لا تزال مؤثرة. لا تستطيع الاهتمام بكون كتاباتك متماشية مع الموضة السائدة، لأنك ساعتها ستتوقف عن الكتابة على طريقتك، ليس من المفترض أن تتحول إلى موظف عندما تكتب".
من المشهور عن أولبى أنه لا يزال يصر على أن يتبع العارضون تعليماته بدقة: "أنا أكتب ما أراه وما أسمعه، وهذا ما أريد من الناس أن يتبعوه." وهو مستعد تماما أن يسحب الإذن بالعرض.
يقول: "الممثلون والمخرجون موجودون ليعبروا عن غرض المسرحية، لا عن أغراضهم الشخصية." ولكنه نادرا ما يفضل التدخل هذه الأيام: "الفكرة هى معرفة الممثلين والمخرجين الذين سيحترمون النصوص ومن ثم العمل معهم والامتناع عن العمل مع الآخرين، بهذه الطريقة أنت لست بحاجة لطرد الناس وسط البروفات."
إحدى المؤديات كانت إليزابيث تيلور، التى قامت مع ريتشادر برتون بأداء النسخة السينمائية من (من يخاف فرجينيا وولف؟)، وكانت تقول عن الفيلم إنه أكثر فيلم تفخر به. أولبى ابتهج عندما ذكرت اسمها: "كانت أصغر من الشخصية بعشرين عاما، ولكنها كانت امرأة رائعة، كانت على قدر الدور، وأعتقد أنه كان أفضل أفلامها، لقد كنت فخورا بها".
سألته إن كانت الغابة الأكاديمية والخطاب النقدى الذى أحاط أعماله قد أثر على تقييمه لها، فتأوه وقال: "هل حاولت قراءة هذه الأشياء؟ كل واحد يأتى بتحيزاته النقدية الخاصة به فى كل مقال نقدى يكتبه، أنا أقرأ 15 مقالا عنى، 15 ورقة بحثية عنى، فأنا أقرأ عن 15 شخصا مختلفا".
وهو لديه – كما أسرّ لى بفخر – استراتيجيات عدة لإرباك التدقيق فى أعماله، وهكذا – كما لاحظت فيما بعد – ساعده على تجنب سؤالى عن مسرحيته التى لم تسمى والتى يعمل عليها حاليا.
يقول: "أنا أذكر الناس أنه لا يوجد شخصان يشاهدان نفس المسرحية. فلا يوجد شخصان لديهما نفس الذكاء أو نفس الرغبة فى المشاركة، وإجابتى على سؤال "فيم تدور المسرحية؟" يكون: "تدور فى حوالى ساعة ونصف؟" وهذه تكون إجابة مرضية."