نصان لأليخاندرو خودوروفسكي
ترجمة: محمود راضي
خاص بـ Boring Books
يحتفظ المترجم بحقه في المساءلة الأخلاقية والقانونية إذا تمت الاستعانة بترجمته دون إذن منه.
***
أليخاندرو خودوروفسكي كاتب ومخرج وممثل ومفكر تشيلي/فرنسي، غادر بلاده وانتقل للعيش في العاصمة الفرنسية باريس في مطلع الخمسينيات، وقدم أول أفلامه فاندو وليز Fando Y Lis في العام 1967 في المكسيك لكنه تعرض للمنع. وحقق شهرة كبرى بين مريدي السينما العالمية بفضل فيلمه إل توبو El Topo الذي أخرجه في العام 1970. ونجح في لفت أنظار عضو فريق البيتلز ﭼـون لينون الذي أقنع مدير الفريق ألن كلاين بتمويل فيلم خودوروفسكي التالي الذي صار أشهر عمل سينمائي له وهو "الجبل المقدس". كتب عشرة مبادئ روحانية وما تعلمته من أليخاندرو خودوروفسكي بين أكتوبر وديسمبر 1971 ضمن سلسلته المصورة الشهيرة الحكايات المقلقة Panic Fables التي كانت تنشر أسبوعيًا في الجريدة المكسيكية الهيرالدو El Heraldo
محمود راضي
- يا معلم، تعبتُ من عدم الارتياح، سوف أمارس اليوجا.
- اليوجا فائقة الخطورة لمن لا يملكون الاستعداد اﻷخلاقي الملائم، قد تدفعهم إلى الجنون والموت. لا تمارس أي من طقوس اليوجا إلا حين تتمكن أولًا من المبادئ الروحانية العشرة.
- وما هي؟
اﻷول: «لا تُؤذ أي كائن حي بالفكر أو الفعل أو القول»:
كل اﻷشياء حية، كل اﻷشياء تشعر بالنشوة والعناء (من الصخرة إلى الحيوان)! عليك أن تحب اﻵخرين، وتخدمهم، وتنير عليهم حياتهم. عليك ألا تقتل هدرًا، قد تقتل فقط كي تصون حياتك، لو احتجت لقتل نبات أو حيوان، فعليك فعل ذلك بفائق الاحترام كطقس. عليك اﻷكل بتلذُّذ من اﻷطباق المُعَدَّة بفن وحكمة. يقول كونفوشيوس: السمكة سيئة الطبخ تمنح حياتها هباء.
الثاني: «تحدث على الدوام بالحق، مع الفطنة في القول وفي اﻹيماء»:
يجب فهم المبدأ الثاني على النحو اﻷمثل. «الحقيقة» هى ليست «ما تصدقه» ولكن «ما يتطلبه الموقف»، ليس من واجبك أن تكون صادقًا، وإنما أن تكون مفيدًا (مفيد تعني كل شيء يعيننا على الانتصار داخل العالم من خلال دمج أنفسنا داخل اﻹنسانية الكونية).
لو سألتك امرأة مُتيَّمة عشقًا إن كان الرجل الذي ترغبه يحبها، عليك ألا تقول لها إنه يمقتها (حتى لو آمنتَ أن هذا حقيقي) ﻷنك ستتسبب في انتحارها.
أجبها بنعم، أنه يحبها، هدئ من روعها، هيِّئها، علِّمها أن تحب اﻷشياء اﻷخرى، وأن تكتشف الكون في داخلها. وعندما يشتد أزرها، ستقابل الشخص الذي يناسبها بشكل طبيعي، وستحب وتُحب.
في هذه الحالة، ستكون قد قلتَ لها الحقيقة بفطنتك، ﻷنك عملتَ صالحًا وفقًا لما تلقيته.
لقد حدثتها بالحق عبر الكلمات ﻷنها أوصلت طيبتك، وأخبرتها بما هو طيب -الحقيقة- بإيماءاتك، ﻷنك تصرفتَ، مضحيًا ببعض من وقتك لتساعد شخصًا محتاجًا.
الثالث: «لا تكترث باستحواذ أي شيء في فطنتك ومشاعرك وأفكارك وأفعالك»:
في الواقع، اﻷمر لا يتعلق بعدم الاستحواذ. الفطنة تتطلب الحقائق، والمشاعر تتطلب الروابط الشعورية، والتواصل يعوزه الكلمات، واﻷفعال ضرورية لمواصلة التقدُّم.
لكن عليك فهم الفارق بين «الاستحواذ» و«الانتفاع»، يجب الانتفاع من كل شيء، وعدم استحواذ أي شيء.
تفيد بعض الحقائق عند مراحل روحانية معينة، عندما ترتقي للمستوى التالي، تتحول هذه الحقائق إلى أكاذيب. لا تتعلق بها، وبادلها بحقائق أكثر إفادة.
على مدى تنامي روحك، سيربطك الحب بأشياء أعظم، حينما تصير إنسانًا كونيًا، محبًا فوق كل المبادئ واهبة الحياة للكون، فسوف تخلص نفسك من العلائق الذاتية، وستعي بعدها أن الموت ما هو إلا تغيير.
ستتكاثف الكلمات بحيث كل مرة ستقول الكثير بالقليل، ما تقوله ليس لك، مثلما لا يصنع البئر الماء الذي يعطيه، ولا ينتمي إليه.
توقف عن التصرُّف طواعيةً، فسوف يُطوِّعك العالم بتناغم بأي سبيل يلائمه نحو حدوده.
الرابع: «كن عفيف الجسد والحديث والفكر»:
لا ينبغي فهم «العفة» بمعنى غياب حاجاتك الرئيسية، حينما تسمع «عفيف»، عليك فهمها بحيث تعني «أصيل». أطع القوانين التي لا يتوجب مخالفتها. لقد خُلق جسدك كي يهضم موادًا بعينها دونًا عن الأخرى، عندما تلتهم المواد الصالحة، فهي مفاتيح لرحلتك نحو الضياء. عليك التصرُّف بما يتفق مع طبيعتك. عليك بمعرفة حاجاتك الغريزية وتحقيقها. لو حرمت نفسك أكثر مما يلزم، ستتوقف عن النمو روحيًا، ولو أفرطت فسوف تدمر ذاتك. عفة الجسد تعني «عدم اﻹفراط في الاستثارة» و«عدم اﻹفراط في الكبت». توقف عن خرق نواميس الكون، دع جسدك يعيش في سلام مع المجرة.
كن عفيفًا في الحديث، هناك أفكار تأتيك من الكون، وهناك تلك اﻷفكار التي يجب أن تتلقاها وترسلها. هناك بعض مما تنسخه منها في سبيل خلق اﻷخريات التي تعلمها. توقف عن الحديث عندما لا يوجد لديك ما ترسله. توقف عن المحاكاة. لا تخادع نفسك، لا تصطنع «أنا» مزيفة لنفسك باللغة.
يفكر العفيف حين يحين وقت التفكير، ويشعر حين يستلزم الشعور، ويتحدث حين يتوجب الحديث، ويتصرف حين يُفترض التصرف.
اﻷمر لا صلة له بالاستزادة، اوصل نفسك بالعالم، تعفف من الطموح، عِشْ بمنح التشكرات وليس بطلبها. لا تسعَ، بل أوجد، عندما تتطهر من نفسك، يزهر العالم من حولك.
الخامس: «مارس الطيبة تجاه كافة الموجودات بما فيها الشياطين»:
داخلك وخارجك، هناك ملائكة وشياطين، قوى إيجابية وسلبية، هذه القوى ليست بطيبة أو شريرة، إنها ضرورية للتوازن الحيوي للعالم. تقبل شياطينك. لا تَخفْ من مواطن ضعفك، لا تشعر بالعار من سلبيتك، دع طاقتك تدور بحرية. إذا لم تقمعها أو تجابهها أو تحاول إقصاءها، سيجد كل ظل ضياءه، وتصل كل علة لدوائها، وتعثر كل رغبة على تحقُّقها. أساس الكون هو التناغم والتوازن، وكذلك هى روحك. حينما تفرض إرادتك، ستكسر اﻹيقاع الطبيعي. أحب شياطينك، تقبل أي فكرة في عقلك مهما بدت شنيعة، لكن لا تتشبث بها، دعها تأتي ودعها تذهب، حين تدور الطاقة، ستمر الشياطين (الشبيهة بالمياه الراكدة) دون مصادفة أي أعداء يشتد بأسهم بالدفاعات، وبعدها سيتحولون إلى ملائكة.
السادس: «فلتستوِ لديك النشوة في مراقبة كافة السنن، والامتناع عن كافة المحرمات»:
حينما يبدأ التنوير، يُروَّض الحيوان (اﻷنا العليا)، ولا يختفي بأي حال. تهمس الروح لقلب اﻹنسان وتأمره بتحقيق اﻷفعال الطبيعية، لدى الحيوان نفسه دوافع غير صحية. تُحرِّم الروح على الجسد اقتراف تلك اﻷفعال الذميمة. قد يحتج الحيوان، هذه هى لحظة تطبيق المبدأ السادس.
بكافة سبل اﻹرادة الحديدية، يسيطر اﻹنسان على أناه العليا، ويظل ساكنًا وبعيدًا عن الامتناع، وبنفس المسلك يظل ساكنًا وبعيدًا عن تحقيق اﻷوامر المقدسة، لدى الحيوان تلك النزعة للبهجة المفرطة من خلال اﻷفعال المتحققة، واقعًا في شطط من الخيلاء.
حافظ على توازنك في الانتصار وفي الاندحار.
السابع: «كابد بصبر في اﻷشياء الحميدة والخبيثة»:
تتعلق ردود أفعال اﻹنسان الضئيل تجاه العالم باللذة واﻷلم. مهمته تحقيق «وحدة اﻷضداد».
تعمل الحواس بالانجذاب أو النفور، تتحدد اﻷفكار بالمحامد والمذام، تتقيَّد اﻷحكام ما بين «طيب» و«شرير»، إلخ..
يعرف الرجل العظيم أنه كلما تنامى ما في الظاهر، تنامى ما في الباطن على حد سواء. الظاهر والباطن بُعدان لظاهرة حميدة وخبيثة واحدة، ردود فعل أولية. عليك بتفويض ذاتك للعالم، متجاوزًا اللذة واﻷلم بتحقيق الحياد المقدس، لا تَخف من كونك محايدًا، هذا إن قلنا «منيعًا». لو صرت بابًا، ستفلح في استقبال اﻷشياء الحميدة والخبيثة بالصبر، ﻷنك تدعها تحدث.
الثامن: «ابق قويًا بلا كلل في السراء والضراء»:
حتى لو فزت بكل جوائز العالم، أو حتى خسرت كل مقتنياتك الدنيوية، فما هو أزلي يكمن بداخلك، ويحافظ عليك دون تقلُّب.
إنك تخفي ذاتك ووجهك اﻷصلي بشخوص شتى بدلًا من رغبة أن تصير "اﻷنا" المُعِرفة لذاتك اﻷصلية أكثر فأكثر.
إن الوجه اﻷصلي لا يخسر ولا يخاطر: إنه أنت، لست بشخص سعيد (يمنح التشكرات لكل الطيبات التي يتلقاها)، ولا بشخص تعيس (راجيًا عنائك من عدم تسكين ما تحوز).
أنت كيان كامل! عِشْ على هذا اﻷساس!
التاسع: «اطعم نفسك بصحة مع مقدار من الطعام يساوي ربع سعة معدتك»:
أن تطعم نفسك بصحة معناه أن تأكل مائة بالمائة حبوبًا كاملة، مثل اﻷرز البني وحبوب القمح الكاملة والشعير.. إلخ (بدون ماء).
يمكنك أن تأكل تسعين بالمائة حبوب، وعشرة بالمائة خضروات، لا تأكل اللحوم أو المنتجات الحيوانية مثل اللبن أو الجبن أو البيض، لا تأكل أي شيء قد يعترض أو يفر.
يبدأ التنوير من خلال الفم: طهر نظامك الغذائي، وكذلك لغتك. تحدث فقط بربع الكلمات التي ترغب في التفوُّه بها، تحدث بالكلمات الضرورية بنسبة مائة بالمائة. يمكنك الحديث بكلمات ضرورية بنسبة تسعين بالمائة، وعشرة بالمائة بأصوات وجدانية. لا تهاجم بالكلمات. لا تتحدث ﻷحد لا يرغب في الاستماع إليك.
العاشر: «طهِّر الجسد بالشعائر، والقلب بالتفرقة بين المطلق والنسبي»:
مذبح الكنيسة هو أساس كل الموائد، اتخذ من الغذاء مكافأة على عملك وقدِّسه، فلتعِ أن الطعام جزء من الطاقة الكونية، مثلك بالضبط، ولتدرك أنك بذاتك طاقة، لا مستهلكًا للطاقة. التقديس هو أن تحل نفسك، أن تعطي ما لله لله.
إن الشعائر تعني تحويل الواقع إلى مذبح، والتقديس المتواصل لكل تصرف، وكل فكرة، وكل كلمة، وكل عاطفة، وكل عمل، وكل وجبة تؤكل على مائدة الكون العظيمة. حينما تكره نفسك وتقاسي، فإنك تدمر نفسك ومعها الكوكب. حينما تكتشف المطلق على أساس مما هو نسبي، والثابت دافعًا للحركة، وحينما تبدأ في حب ذاتك، ستتفجر مشاعرك وتتداخل في حب مع البشر والكوكب والكون والعوالم اللانهائية وغير المعدودة.
سيصير كل شيء مقدسًا!
ما تعلمته من أليخاندرو خورودفسكي
«يا معلم، أخبرتني أن أليخاندرو خودوروفسكي كان معلمك، فماذا تعلَّمتَ منه؟»
- أينما وجدت شقوق، فإن الزجاج هو الذي سينسرب، وليس الماء.
- من يقدم يده يخفي قدمه.
- الحصان العجوز غني عن الحاجة لمضغة.
- تتوقف اﻷيام العاصفة أو الطيبة على إيقاع قلبك.
- حينما تكسر كافة القيود، ستربط نفسك باﻷشياء بخيطان ملونة بديعة.
- مع كل خطوة تتخذها نحو اﻷفق، يوجد أفق جديد.
- القطعة المفقودة هي المفقودة من القطعة.
- مهما حلبتَ ضرع البقرة، فلن تمنحك كتابًا في البسترة.
- إن المعبد ليس مكانًا حصريًا لما هو مقدس. يفد الناس إلى المعبد ليتدبروا معنى المقدس، ولو تعلموا الدرس، يصير العالم بأكمله معبدًا، ويصير كل امرئ كاهنًا، ولا يتبقى أي طعام للمضيف.
- الماء أكثر اتساعًا من اﻵنية التي تحتويه.
2 Replies to “أليخاندرو خودوروفسكي: عشرة مبادئ روحانية”
(راجيًا عنائك من عدم تسكين ما تحوز)
عفوا. بس ما فهمت الجملة …ما جذر “تسكين”؟
مساء الخير يا أستاذة نيللي، خورودفسكي يقصد في هذه الجملة أنه في حالة مرور المرء بحالة من التعاسة، فهو يفتش ويجتذب إليه -وهو غير واعي أو غير مدرك- عن ذلك اﻹحساس بالمعاناة بسبب ما يمر به من حالة نفسية من خلال الشعور بعدم السكينة والراحة مع ما يحوزه سواء أكان ما يحوزه هذا ماديًا أو معنويًا.
تحياتي العطرة